أثارت التهديدات الأخيرة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن قرب إطلاق عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن، في مناطق شرق نهر الفرات شمال سورية، ردود فعل وتفسيرات عديدة، خصوصاً أنها جاءت بالتوازي مع بقاء ملف قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي مفتوحاً على تأويلات تتعلق بعلاقته بالسعودية وبالولايات المتحدة في الوقت نفسه.وفي محاولة لتفسير مواقفه، قالت أوساط أميركية، إن الرئيس التركي يجد نفسه في خضم معركة سياسية معقدة تضغط على دوره شخصياً وعلى دور بلاده في محاولة منه لتبيث موقعه على خريطة القوى والتحالفات الإقليمية والدولية المنخرطة في سباق مصالح غير مسبوق.
واشنطن، التي حسمت علاقتها بأكراد سورية لناحية تعهدها بتوفير ضمانات سياسية وعسكرية كافية لهم، أبعدت في الوقت ذاته نفسها عن الجماعات التي تسعى للاستقلال عن دائرة قرارها، سواء كانت تلك الجماعات كردية أو عربية. ونفذت ذلك على العديد من الجماعات السورية المعارضة خلال السنوات السبع الماضية منذ بدء الأزمة السورية. والدلائل على ذلك كثيرة، من تخليها عن جماعات معارضة مسلحة في خضم المعارك التي كانت تدور في سنوات الأزمة الأولى، إلى تخليها عن جماعات عربية في منطقة التنف وقبلها عن القوات الكردية، التي انسحبت من جبهات القتال مع داعش لتلتحق بالقوات المحسوبة عملياً على حزب العمال الكردستاني بعيد اندلاع معركة عفرين بتسهيل من دمشق.وبحسب تلك الأوساط فقد عمدت أخيراً مجموعات كردية محسوبة أيضاً على حزب العمال إلى التمدد نحو مناطق غرب الفرات بتنسيق مع دمشق أيضاً، الأمر الذي أثار حفيظة تركيا، فيما الاتفاق مع واشنطن جارٍ على قدم وساق لبدء تسيير الدوريات المشتركة في منبج.زيارة قائد القيادة الأميركية الوسطى جوزف فوتيل الأخيرة لمناطق الأكراد في شرق الفرات وإلى قاعدة التنف، أرست عملياً قواعد الاتفاق الأميركي - التركي حول مستقبل إدارة تلك المناطق. وهو ما قد يكون مؤشراً أيضاً عن وجود ضوء أخضر لتركيا بتطهير المناطق، التي تسعى دمشق للتمدد إليها على حساب أنقرة.واشنطن التي أبعدت نفسها عن الجماعات الكردية الراديكالية، تسعى أيضاً إلى تطمين تركيا، فيما هي تركز على أن معركتها من الآن فصاعداً بعد استكمال القضاء على داعش مواجهة النفوذ الإيراني، في كل من العراق وسورية معاً، وعلى ضمان مشاركة تركيا أو على الأقل عدم اعتراضها على خططها في هذا المجال مستقبلاً.رسائل إردوغان الأخيرة إذاً موجهة بالدرجة الأولى إلى دمشق والفصائل التي لا تزال تسعى إلى التلاعب على التناقضات الميدانية في تلك المناطق.هكذا فهمت تلك الأوساط بعض ضغوط إردوغان في ملف خاشقجي بأنه لدفع السعودية إلى فك جماعاتها ارتباطهم بالأكراد المحسوبين على حزب العمال الكردستاني، لكي تطمئن أنقرة من أن «حزامها الأمني» بات ممسوكاً في مناطق نفوذها، إلى حين نضج ظروف التسوية السياسية في سورية.وأمس قتل 4 مسلحين سوريين أكراد، بعد أن أطلقت القوات التركية قذائف مدافع عبر الحدود على منطقة كوباني السورية الحدودية مع إقليم شانلي أورفة، جنوب شرق تركيا، والتي يسيطر عليها الأكراد منذ طردهم «داعش» منها.
مبعوث ترامب
إلى ذلك، أعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري عن حرص واشنطن على عدم طرح رحيل الرئيس السوري بشار الأسد في التصريحات الرسمية والمفاوضات مع الدول الأخرى شرطاً للتسوية في سورية.وأوضح جيفري أثناء مؤتمر صحافي عقده في بروكسل، أمس الأول، أن الشروط الأميركية الثلاثة في الملف السوري تتمثل بإطلاق عملية سياسية لا رجعة فيها، وإلحاق هزيمة نهائية بتنظيم «داعش»، وانسحاب جميع القوات التابعة لإيران من الأراضي السورية.وقال: «هذه هي المغذيات الثلاثة للنزاع والتي نريد إصلاحها، وخروج الأسد من الحكم ليس شرطاً في حد ذاته».وتابع: «نحتاج إلى حكومة لا تستخدم الأسلحة الكيمياوية ولا تهدد جيرانها ولا تلقي بالبراميل المتفجرة وتتوقف عن محاولة قتل شعبها».وأكد جيفري أنه إذا كان الأسد قادراً على خدمة حكومة كهذه فإن الولايات المتحدة ستقبل بقاءه في الحكم، معرباً عن شكوك واشنطن القوية في ذلك، ثم قال: «ذلك يستند إلى شروط وليس إلى الشخصية».وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن ضرورة إخراج الأسد من الحكم في إطار «عملية مدارة»، مضيفاً أن أي انتخابات ستنظم تحت إشراف الحكومة الحالية ستكون عديمة المصداقية في نظر الشعب السوري والمجتمع الدولي.بيدرسن
في سياق منفصل، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مجلس الأمن أنه يرغب بتعيين الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسن موفداً خاصاً جديداً إلى سورية خلفاً لستيفان دي ميستورا الذي قدّم استقالته من هذا المنصب. وبيدرسن دبلوماسي مخضرم، شارك في 1993 ضمن الفريق النروجي في المفاوضات السريّة التي أفضت للتوقيع على اتفاقيّات أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين.وتولّى الدبلوماسي النرويجي مناصب عدّة في المنطقة بينها موفد الأمم المتحدة إلى جنوب لبنان في 2005 ثم المنسق الخاص للبنان بين 2007 و2008. وأمضى بيدرسن سنوات عديدة ممثّلاً لبلاده لدى السلطة الفلسطينية. وهو حالياً سفير النروج لدى الصين وسبق أن كان سفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة.