تفاصيل
هكذا هي حياتنا الكويتية المعاصرة كل ما فيها تفاصيل ضيعت الغاية المبنية على التقدم والازدهار والارتقاء، ولا أتكلم عن جهة أو مجال أو قطاع بعينه، بل هي حالة عامة وفي كل اتجاه، فلا غاية تحققت ولا تفاصيل عولجت.
لا أفهم كيف تتوه الغايات في تفاصيلها دون أن نستوعب كيف وصلنا إلى هذه الحال، أو حتى نستوعب أن عدم تحقيق الغايات سببه الغرق في التفاصيل.الغرض على سبيل المثال تشييد منزل، ومكونات التشييد من مهندسين وعمالة وأموال ومواد بناء متوافرة وبكثرة، إلا أنه وعلى الرغم من توافر الموارد ووضوح الهدف فإن هذا المنزل لم يشيد إلى الآن أو تأخر في أحسن الأحوال!والسبب ببساطة هو التركيز على تفاصيل إن تعمقنا في النظر إليها نجد أنها لا تقدم ولا تؤخر فعليا، فنجد المهندس في مثالنا السابق يستهلك الكثير من طاقته وجهده وعطائه في سبيل معرفة من المتسبب في عدم جاهزية مكتبه يوميا أو مناقشة سلوكية معينة مزعجة شخصيا، وليست ذات أهمية عمليا، فتكون النتيجة تأخره في تنفيذ التصميم الهندسي لذلك المنزل.
والأمر نفسه أيضا ينطبق على القائمين على توفير مواد البناء، حينما قضوا أياما في تحديد المتسبب في وصول طلبية خاطئة، ومحاسبة المتسبب، وهو أمر يستحق المحاسبة طبعاً، إلا أن التركيز على تصحيح الطلبية يفترض أن يكون هو الأمر الأساسي غير القابل للتهميش أو التأجيل كي يتمكنوا من الإنجاز.أما بالنسبة إلى العمال فقد انشغلوا بمتابعة بعضهم، وكيف أن المسؤول عنهم يفضل عاملا بعينه بدلا من العامل الآخر، ويتجاوز عن تأخيره أحيانا، فيثير غيرة وسخط بقية العاملين ممن يشغلون أنفسهم بمراقبة هذا العامل ومحاولة تصيد أخطائه ودق الإسفين بينه وبين المسؤول.بهذه التفاصيل تاه المنزل فتأخر ولم يشيد، ولم يتمكن أحد من أن يقطنه رغم ما صرف عليه من أموال ووقت وجهد، ولو تفكرنا بهذه التفاصيل قليلا لوجدنا أن غالبها لم يكن له أي أثر فعلي يعرقل سير العمل بشكل كبير، إلا أن توجهنا الذهني لها وانصرافنا عن التنفيذ أديا إلى التوقف أو التأخر الكبير.هكذا هي حياتنا الكويتية المعاصرة كل ما فيها تفاصيل ضيعت الغاية المبنية على التقدم والازدهار والارتقاء، ولا أتكلم عن جهة أو مجال أو قطاع بعينه، بل هي حالة عامة وفي كل اتجاه، فلا غاية تحققت ولا تفاصيل عولجت.