إن سوء الفهم الشائع بين مراقبي الاتجاهات الرقمية هو أن المستهلكين في البلدان النامية لا يستفيدون من تطور التكنولوجيا، سواء تعلق الأمر بأحدث الهواتف الذكية أو "باستخدام" منظفات آلية، تُعتبر القدرة على الوصول إلى الابتكار واحدة من أبرز التفاوتات بين البلدان الغنية والفقيرة.

أصبحت هذه الفجوة آخذة في الاتساع منذ ظهور الذكاء الاصطناعي (AI)، على سبيل المثال، يتم شحن الغالبية العظمى من "السماعات الذكية" المنزلية- مثل مساعد أمازون "أليكسا"- إلى الدول الغنية، وفي عام 2017 تم شحن أكثر من 80٪ من مجموع السماعات الذكية العالمية إلى أميركا الشمالية.

Ad

ولكن في حين أن التكنولوجيا يمكن أن تزيد من حدة عدم المساواة في العالم، فإن لديها القدرة على تخفيفها لأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقوم بدور أكبر من الأجهزة الكهربائية؛ كما يمكن أن يغير طريقة تقديم الرعاية الصحية، والإغاثة في حالات الكوارث، والتمويل، والخدمات اللوجستية، والتعليم، وخدمات الأعمال في دول الجنوب.

في جميع أنحاء العالم، يُحدث الذكاء الاصطناعي بالفعل تغييرا كبيرا في الدول النامية، ففي نيبال، على سبيل المثال، يقوم التعلم الآلي برسم الخرائط ودراسة احتياجات إعادة الإعمار بعد الزلزال، وفي جميع أنحاء إفريقيا، يساعد معلمو الذكاء الاصطناعي الطلاب الشباب على اللحاق بالدورات الدراسية. وتستخدم وكالات المعونة الإنسانية تحليلات البيانات الضخمة لتحسين نقل الإمدادات للاجئين الفارين من الصراع والمعاناة في بلدانهم، وفي بلدي، الهند، يستخدم المزارعون الريفيون تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحسين المحاصيل وزيادة الأرباح.

تساعدنا مثل هذه الابتكارات في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في قضايا متعددة مثل القضاء على الفقر، وإنهاء عدم المساواة في الرعاية الصحية، وزيادة معدل التمدرس، ومكافحة الاحترار العالمي. ومع ذلك لا يُدرك العالم ما يمكن أن يقوم به الذكاء الاصطناعي لتحقيق التقدم البشري، ولتسخير قدرة الذكاء الاصطناعي الكاملة لفائدة التنمية علينا إيجاد طرق جديدة لتطبيقها.

على سبيل المثال، مع الدعم المناسب، يمكن توفير طائرات بدون طيار لنقل الإمدادات الطبية إلى المستشفيات البعيدة في الدول النامية، وقد تم تحقيق ذلك بالفعل في المناطق القروية في رواندا، حيث قامت وزارة الصحة وشركة "زيبلين"، وهي شركة ناشئة للتكنولوجيا في وادي السليكون، بتوفير إمكانية طلب أكياس الدم عن طريق بعث رسائل نصية من قبل الأطباء العاملين في العيادات الواقعة في مناطق نائية، ثم الحصول عليها باستخدام الطائرات بدون طيار في غضون دقائق، ومنذ إطلاق هذا البرنامج في أكتوبر 2016، تم خفض مواعيد التسليم خمس مرات، وتم إنقاذ مئات الأرواح.

ومع أن ابتكارات ذكاء اصطناعي مثيرة للإعجاب كهذه فإننا لا نستطيع اعتبارها بدهية، فالتقدم المذهل الذي تحققه شركات التكنولوجيا في بلدان الجنوب سيتباطأ ما لم نواجه معضلة التخوف من سلبيات الذكاء الاصطناعي التي يظن البعض أنها أسوأ من الإيجابيات.

يمكن اتخاذ العديد من الخطوات لتجنب هذه النتيجة، ففي البداية يجب أن تحظى برامج مثل حملة "الذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة العام" بدعم صناع السياسات؛ الحملة التي أطلقتها الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى تعزيز الحوار حول الاستخدام المفيد للتكنولوجيا في العمل الإنساني، كما يجب علينا نحن المساهمين في تطوير التكنولوجيا الاستمرار في تحديد المشاريع والمبادرات ومراكز الفكر والدراسات والمنظمات التي من شأنها أن تستفيد من التعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي، مثل شركة "زيبلين" في رواندا.

لا ينبغي إجراء محادثات حول تطوير الذكاء الاصطناعي لأغراض إنسانية بمعزل عن منظمات الإغاثة، والمؤسسات الخيرية، والحكومات، ويجب على المستثمرين في مجال التكنولوجيا أيضا المشاركة في هذه النقاشات.

عادة ما يركز رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا على حل المشاكل في دول الشمال، في حين يتجاهلون القضايا المرتبطة تقليديا بالدول النامية، لكن تكنولوجيا الهواتف النقالة تُتيح فرصا جديدة، وهي الآن تجعل المنطق الإنساني والتجاري يستهدف حلول الذكاء الاصطناعي خارج الدول الغربية.

ولهذا السبب قمتُ بتأسيس مشروع ريوايرد "Rewired"، وهو استثمار بقيمة 100 مليون دولار يدعم شركات الذكاء الاصطناعي والآليات الجديدة التي تعمل على معالجة القضايا الاجتماعية المهمة. يعمل نظام ريوايرد مع الشركات في مقدمة الإدراك الآلي؛ قدرة الروبوتات على فهم وتفسير العالم المادي. لقد استثمرنا في الشركات التي تعمل على تقليد وتحديد رائحة الإنسان، وتطوير الأجهزة الصناعية غير المكلفة والمتقنة، وإنشاء آلات محمولة مصممة لتحسين عمليات التصنيع.

نحن نسعى إلى تمويل التقنيات التي من شأنها جعل الحياة أفضل في جميع أنحاء العالم، وتُعد هذه ميزة موحدة للذكاء الاصطناعي، فالآلات التي نصنعها اليوم لن تكون مربحة فقط، بل ستمكننا أيضا من مواجهة بعض أكبر التحديات في العالم.

* تيج كوهلي

*رجل أعمال في مجال التكنولوجيا، ومحسن، ومؤسس شركة كوهلي فينتشرز، وهي شركة رأس المال الاستثماري التي تركز على التكنولوجيا.

«بروجيكت سنديكيت، 2018»

بالاتفاق مع «الجريدة»