مجموعة فايتول الهولندية، التي تتخذ من سويسرا مقراً رئيسياً لها، هي أكبر شركة خاصة في العالم تتاجر بالنفط عبر ما تمتلكه من خدمات لوجستية وطاقات تخزين وتكرير وشبكات أنابيب وناقلات للنفط الخام ومنتجاته، وخبرة واسعة في مجال المتاجرة بعقود النفط في أسواق السلع الدولية. سنوياً تبيع هذه الشركة نحو 1.5 مليار برميل من النفط الخام، أي ما يفوق إنتاج دولة الكويت بنحو 30 في المئة، إلى مصافي بترول منتشرة في أرجاء مختلفة من العالم، وهي مزود رئيسي للطائرات التجارية بالوقود في أكثر من 140 مطاراً دولياً، كما تمتلك حصصا كبرى في آلاف من محطات توزيع الوقود، وقد استحوذت في العام الماضي على مجموعة "بترول أوفيسي"، أكبر شبكة تسويق للمنتجات النفطية في تركيا. ويزيد الدخل السنوي لهذه المجموعة على 150 مليار دولار، وفقاً لبيانات عام 2016.
هذه المجموعة بكل ما تملكه من اطلاع ودراية وخبرة في عالم النفط، انضمت هذا الأسبوع، إلى نادي المتشائمين من حالة سوق النفط العالمي، وأعلنت خفض توقعاتها لزيادة الطلب العالمي على النفط للسنة الحالية من 1.7 مليون برميل يومياً إلى 1.3 مليون برميل، كما خفضت توقعاتها للعام المقبل 2019 إلى نفس المقدار. وأعلن الرئيس التنفيذي للمجموعة أن "فايتول" لم تكن متحمسة يوماً ماً لأسعار نفط مرتفعة، وأنها تدرك على الدوام أن مثل هذه الأسعار لابد أن تؤدي إلى تراجع الطلب. ورأى أن أسواق النفط ما زالت تشهد فائضاً، وأن السعر العادل للنفط في العام المقبل سيكون أقرب إلى مستوى 70 أو 65 دولاراً للبرميل الواحد، وليس مستوى الـ 90 أو 85 دولارا كما يراه البعض. إيران تشتري مخاطرة المتاجرة معهامن جانب آخر، يبدو أن السوق قد استوعب بالكامل تأثير انقطاع الإمدادات الإيرانية التي سيبدأ تفعيل العقوبات الاقتصادية ضدها يوم الاثنين المقبل، وبات على قناعة بعدم تأثير خروج النفط الإيراني على حجم المعروض الحالي في السوق، الذي يبدو أنه قد تزايد إلى معدل قياسي في أكتوبر، وفق البيانات التي نشرت هذا الاسبوع. وعموما ليس سراً أن إيران قد استبقت بدء العقوبات بالاتفاق مع تجار خاصين على شراء مخاطرتهم بعدم الالتزام بحظر التعامل مع إيران من خلال تزويدهم بالنفط بأسعار تقل عن متوسط أسعار السوق بمعدلات تصل إلى 4 أو 5 دولارات في البرميل. ولا ينبغي لأحد أن يغفل أن للبيت الأبيض مصلحة آنية في غض النظر عن مثل هذه التوجهات الإيرانية في عرض النفط بأسعار تنافسية على عملائها التقليديين في آسيا وأوروبا. كما أن التحول الكبير في مراكز صناديق التحوط بأسواق السلع الدولية من حالة الشراء إلى البيع، والضغط المتواصل للإدارة الأميركية على منظمة أوبك من أجل ضخ المزيد من الإمدادات، دعماً لمرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات منتصف الفترة النيابية في الولايات المتحدة، والتداعيات المتفاقمة للحرب التجارية المعلنة بين واشنطن وبكين، وتدهور عملات دول نامية رئيسية، كل ذلك يصب في مسار ضعف أسعار النفط.الجزم بمستقبل الأسعارولكن رغم ذلك، فإن أحداً لا يمكنه الجزم بمستقبل هذه الأسعار في العام المقبل، بل ولا حتى وصولاً إلى نهاية العام الحالي، إذ إن الانتخابات التشريعية النصفية التي ستجري في الأسبوع المقبل في الولايات المتحدة تعد حاسمة وقد تتمخض عن مفاجآت، وقد يترتب عليها تحول مؤثر في سياسات البيت الأبيض سواء فيما يتعلق بمسار الحرب التجارية ضد الصين أو الحاجة إلى مواصلة الضغط على "أوبك"، أو ربما غير ذلك من ملفات دولية ساخنة. وقد تعود "أوبك" مجدداً إلى التوافق مع حلفائها من خارجها إلى سياسة خفض الإمدادات، وهذا من شأنه أن يفضي الى دعم الأسعار، ولكن ذلك لن يكون قراراً حصيفاً في المدى المتوسط ما لم تصاحبه انفراجة حقيقية على صعيد الأزمة التجارية العالقة بين الولايات المتحدة والصين، والتي أعتقد أنها واحدة من الخيارات الاستراتيجية لصقور الادارة الجمهورية، ومن ورائهم قطاع الأعمال الأميركي. *أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
مقالات
وجهة نظر : رفع أسعار النفط ليس خياراً حصيفاً!
02-11-2018