الأدبيات «دلع» المرفهين، الذين يُنشئون المسرحيات، وينسجون الأبيات، ويحبكون الحكايات، يسلون عقولهم بتفاصيل لا واقعية، ويخدرون عقولهم بفنون اللهو. للأسف وطننا العربي متراجع علميا ومغرق أدبياً. ولكن ما هو المعنى الحقيقي للأدب؟ ولماذا اريد تقليله، لإخلاء المجال للعلوم الواقعية، كالفيزياء والطب والكيمياء؟ الأدب هو أداة فنية يعبّر من خلالها أفراد المجتمع عن روح حضارتهم، ألم نكتفِ منها؟ فنحن طبيا في آخر الركب، وصناعيا لا نكون إلا زبائن، حتى في المجالات التجارية والإدارية متأخرون. وأرى أن علة ذلك هو التركيز على الأدبيات والنفور من العلوم. وأرى كذلك أن سبب الطفح الأدبي في الوطن العربي هو قوة اللغة ومخزونها الأدبي الهائل، فالشعر العربي متفوق المبنى والمعنى على نظيره الإنكليزي حسب تخصصي في الأدبيات الإنجليزية، أما التجلي العاطفي فهو إدماني لمن يجيد العربية.
لم يكن تخلف العرب عن الصناعة وليد اللحظة؛ ففي البيئة الصحراوية، الخالية من مصادر الإلهام الحِرفي والموارد الصناعية، بخلاف البيئة المصرية والهندية والآزتكية والصينية، تجد العربي متربعاً في الخيمة، يسقيه عبده المشترى وتلهيه جاريته المسبية، وتحميه قبيلته الغازية، وتخدمه زوجاته المتزايدة، فما الذي يلزمه للصنع، وكل السيادة رهن فن لسانه؟ بالأدب، يغازل من فتنته بتلك اللحظة، ويفاخر قبيلته للمزيد من الامتيازات «الدبلوماسية»، ويهجو من لا يروق لهواه.العربي القديم هو ذاته العربي الحالي مع اختلاف أصحاب الأدوار في العرقيات والمسميات المهنية من خدم وحشم وسائق ومندوب. وأما النفط مع الإنترنت، فلقد زادا إغراء تلك الدعة الداعية إلى الأدبيات، فرصيد دنانير يساوي مخزون سبعين قبيلة بزمن الجاهلية، نصرفه في سوق عالمي بالإنترنت، لشراء أبهى من منتجات سوق عكاظ ومعلقاته، يشتري بها العربي بلمسة من إصبعه. زادت كثيراً راحة العربي ودعته وبالتالي خموله، ولكن، لِمَ نرجو منه التقدم العلمي، ويحه؟ ولِمَ يلزم نفسه بما يعكر صفو مزاجه؟ الطفح الأدبي ظاهرة لمجتمع استغنى عن مهامه التي تضمن له أساسيات البقاء، فغيرنا يزرع ويطبب ويعلم ويصنع ويمثل بل وحتى يؤم ويخطب. ظهر الطفح الأدبي في أهل الأندلس في نهايتها، والسلطنة العثمانية قبل انهيارها؛ والخلافات الإسلامية عند انهزامها، والإمبراطورية الرومانية عند سقوطها، والحضارة الفرعونية قبيل تفككها؛ ولكن لعلنا بنقود النفط وعولمة الإنترنت، سوف «نهكر» هذه القاعدة السيسيولوجية للأبد، أليس كذلك؟ أترك الجواب للقارئ.
مقالات - اضافات
نحتاج تقليل الأدب
03-11-2018