كان حلماً بل كابوساً يراود الصغير رأفت وهو طفل في الرابعة، ثم ما لبث أن تحوّل إلى واقع عندما صار شاباً. نعم؛ إنه الوحش ذاته! ذاك الذي كان يظهر له في ليالي طفولته الجميلة، ويحيل أحلامه إلى كوابيس مفزعة. ولكن كيف تحول ذاك الحلم إلى واقع؟ يروي الكاتب العراقي علاء المحياوي ذلك بالارتكاز على «الاسترجاع الصوري»، وهي تقنية سيمية مهمة قائمة على أساس استرجاع الزمن الماضي والتداعي الذي يتم بواسطة الذاكرة، ولتمثل تلك البنية الاسترجاعية جزءاً من تاريخ الشخصية الروائية واستنطاقاً لعالمها الجواني الذي ظل ينوء بكلله الثقيل عليها حتى النهاية.
المشهد العراقي
الرواية في مضمونها تحيل إلى المشهد العراقي أثناء الغزو الأميركي للعراق (2003)، ومحاولة استجلاء آثار هذا الغزو في الإنسان العراقي. وكثيراً ما تتم الرؤية إلى الأحداث من خلال راوٍ عليم أو من خلال رؤية الشخصية ذاتها لِما آلت إليه حالها. وهذه الآثار تتضح من خلال الحركة المكوكية التي ينسجها السرد بين المكان والإنسان. فالحرب دفعت «سامي» وغيره من أبناء العراق للسفر إلى دولةٍ جارةٍ بحثاً عن فرصة عمل توفر لقمة العيش.. ولكن وبعد انتشار فتاوى الجهاد ضد القوات الأميركية وجد نفسه ينضم إلى هذا الركب، ويجاهر بما يجاهرونه من آراء وأفكار، فيلتحق بمجموعة جهادية ذاهبة من عمّان عبر الحدود إلى بغداد لقتال المحتل الأميركي، من دون أن يدري ما تحمل شخصية «أبومعاذ» من أيديولوجيا التطرف والإرهاب، إذ إن هذا الرجل كان من ضمن قائمة المطلوبين الذين تورّطوا بهجمات خطيرةٍ على منشآت حيويّة وشخصيّات عراقيّة وأجنبية.. يتم تدريب «سامي»، ليشارك «أبو معاذ» في أول عملية هجوميّة قيل له إنها ضد القوات الأميركية، ليكتشف «سامي» في اللحظة التي لا تراجع فيها أنها ضد الشرطة العراقية.. وتكون النتيجة أن من بين القتلى أعز أصدقائه «عادل»! فأدرك بأن تلك الفئة المضلِّلة خدعته بأفكارها وشعاراتها البرّاقة، وهي التي أرسلت صديقه الحميم إلى حتفه.وفي هذا السياق تبرز أيضاً شخصية «وضاح الكاملي»، الضابط ذو السلطة المطلقة الذي يعيث فساداً في البلاد والعباد، ويعرف كيف يستغلّ سلطته في جني الأموال بعد اعتقال الأشخاص والطلب من أهاليهم دفع أموال باهظة لإطلاق سراحهم. وكان من بين الضحايا الشاب «رأفت» ابن «سامي» الذي اعتقل عشوائياً ووجد فيه «وضاح الكاملي» فريسة ضعيفة لإرضاء نزواته التي تكتب نهاية مفجعة للجاني والضحية!جوانب إنسانية
في الرواية لم ينسَ الكاتب الجانب الإنساني والعاطفي للشخصيات. ينكشف السرد عن قصة حبٍّ تجمع بين «سامي» و«تهاني» زوجة المغدور «عادل»، إذ وجد الاثنان ما ينقصهما من حبّ وحنان وانسجام افتقداه مع شريكيهما. وهنا تكشف الرواية مواطن الخلل في الحياة الزوجية وما تحبّ المرأة في الرجل؛ وما ينتظر الرجل من المرأة... وقد برز ذلك بوضوح من خلال «لغة المشاعر» التي تفنن الكاتب علاء المحياوي في قولها وعبّر من خلالها عن العالم الداخلي الشفيف للرجل والمرأة معاً... وربما أراد القول أيضاً إن الحياة يمكن أن تعطي فرصة ثانيّة لزوجةٍ وحبيبة.