بعد صدور حكم التمييز في القضية المسماة دخول مجلس الأمة، والتي ادين فيه عضوان بعقوبة الحبس مدة ثلاث سنوات وستة أشهر عرض الامر على المجلس تطبيقا لحكم المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة. والتي تقرر "إذا فقد العضو أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور أو في قانون الانتخاب أو فقد أهليته المدنية، سواء عرض لـه ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم إلا بعد الانتخاب أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك، على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الأكثر من إحالته إليها.ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسة تالية، وللعضو أن يبدي دفاعه كذلك أمام المجلس، على أن يغادر الاجتماع عند أخذ الأصوات، ويصدر قرار المجلس في الموضوع في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه.
ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم، ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سرياً". علما أن المادة 82 من الدستور تقرر "يشترط في عضو مجلس الأمة:1- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون.2- أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.3- ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية.4- أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها". كما ان المادة الثانية من قانون الانتخاب تقرر "يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره". وعقوبة الجناية وفق المادة الثالثة من قانون الجزاء هي عقوبة السجن الذي تتجاوز مدته ثلاث سنوات.
سلطة تقديرية
إذا تأملنا في النصوص السابقة ربطا بالحكم الصادر يمكننا ان نلاحظ: - ان القانون حدد اسبابا لإسقاط العضوية، وأناط بمجلس الامة انزال حكم القانون عليها، بعد التأكد من تحققها أو من سلامة وجودها.- بعض هذه الأسباب وجودها مرتبط بالسلطة التقديرية لمجلس الامة، لان القانون ترك تقدير تحققها للمجلس، فالقانون لم يحدد الجرائم المخلة بالشرف والامانة، تاركا تحديد ذلك لمطبق النص، لانه قدر ان هذا المفهوم نسبي.- بعض هذه الاسباب لا يملك المجلس واقعيا سلطة تقديرية بشأنها عدا التأكد من وجودها فقط، مثل صدور حكم قضائي بتقرير عقوبة جناية أو صدور حكم قضائي بتقرير فقدان الأهلية، فدور المجلس هنا ينحصر في التأكد من وجود الحكم، ومن ان الحكم قد قرر عقوبة الجناية، ويمكنه ايضا كما حدث في سابقة السيد خلف دميثير التأكد من وجوب سريان العقوبة، وذلك من باب الاجتهاد الممكن. والمادة 16 من اللائحة الداخلية تتشدد في هذا الامر، فهي تقرر عدم جواز سماع اقوال العضو المعروض أمر إسقاط عضويته في بعض الحالات. وقد ورد في مناقشات اللجنة التشريعية تساؤل عند الوقوف أمام العبارة الواردة في المادة 16 "وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك"، وكان محل التساؤل لماذا إضافة "اذا امكن ذلك"، وكان الجواب أن سماع أقوال العضو المحكوم بفقدانه أهليته يعني واقعيا إهدار حجية الحكم القضائي المقرر لزوال الأهلية، وهذا ينطوي على عدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات. ونلاحظ أن من قال بأن المجلس أمام حالة سقوط عضوية يتقرر بحكم القانون، وليس إسقاط يملك المجلس إزاءه سلطة تقديرية لتقرير وجوده، كان ينطلق من طبيعة الحالة المعروضة على المجلس، فليس أمام المجلس واقعيا غير إنزال حكم القانون على الواقعة لشدة وضوحها.- وفق القانون القائم (قانون الجنسية) بعض أسباب إسقاط العضوية تتمثل في قرار إداري، وهذا نجده في حالة إسقاط الجنسية، وهو قرار اداري غير قابل لرقابة القضاء عليه، وإن كان وجوده مرتبط بحكم قضائي احيانا. علما ان أعمال السلطة التنفيذية وفقا للدستور هي بطبعها محل رقابة من مجلس الامة، وبالتالي تقدير مجلس الأمة لملاءمتها وحتى مشروعيتها عند تطبيق أحكام المادة 16 لا يتعارض مع الدستور، فلسنا أمام حجية أحكام قضائية يشكل إهدارها تعارضا مع وجود الحق في التقاضي المقرر في المادة 166 من الدستور.- ان تقرير سقوط العضوية انيط بالمجلس كشكل من اشكال العمل بمبدأ الفصل بين السلطات، ولكن اللائحة الداخلية لم تفرق في تقرير الاسقاط بين الاسباب المختلفة، تاركة للمجلس التفرقة بين الحالات المتضمنة لسلطة تقديرية، والحالات التي لا تحتمل ذلك كما جمعت الاسباب الناتجة عن حكم قضائي الى جوار الاسباب الناتجة عن قرار يصدر عن السلطة التنفيذية. اللائحة لم تفرق بين حالات سقوط العضوية وحالات اسقاط العضوية.احتمال افتراضي
التأمل في الملاحظات السابقة ربطا بالموضوع محل التصويت الذي تم في بداية دور الانعقاد القائم يقودنا الى تقرير ان المجلس وهو مكلف بإنزال حكم القانون على الواقعة المعروضة عليه، قد قرر ضمنا أن عقوبة ثلاث سنوات وستة أشهر هي أقل من ثلاث سنوات، وبالتالي هي ليست عقوبة جناية. او انه قرر ضمنا حقه في مراقبة سلامة الأحكام القضائية بما فيها أحكام محكمة التمييز، ولعل هذا الاحتمال الافتراضي هو الأرجح لأن مدة الثلاث سنوات وستة أشهر بديهيا هي اكثر من ثلاث سنوات، ونحن بديهيا هنا بصدد عقوبة جناية. الافتراض السابق ناتج عن عدم وجود حيثيات صدرت مع القرار برفض اسقاط العضوية، فالتصويت غير مرتبط بتسبيب. يقوي الافتراضات السابقة أن تقرير اللجنة التشريعية لم ينكر وجود الحكم القضائي ولم يناقش مدى وجوب نفاذ العقوبة.تصويت المجلس يجعلنا أمام عدد من النتائج:- المجلس قدم نموذجا يؤكد عدم وجوب الالتزام بالقانون القائم اذا كانت هناك اعتبارات سياسية تبرر عدم تطبيق القانون.- المادة 16 من لائحة مجلس الامة تنطوي على أحكام تتعارض مع نص المادة 82 من الدستور، وتتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ حجية الأحكام. وقد يقول قائل إن النص حرص على تأكيد احترام أحكام القضاء عندما أورد عبارة "إذا أمكن ذلك" في صلب المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة، وان ما حدث لا يعدو أن يكون تطبيقا سيئا للنص. هذا الدفاع لا يمنع أن النص القائم يسمح بتحقيق فرضية مخالفة الدستور حتى لو كان يلفت الانتباه لوجوب احترام احكامه. النص القائم يعطي الاختصاص بإسقاط العضوية لمجلس الامة حتى لو كنا امام حالة سقوط للعضوية يترتب مباشرة بحكم القانون. وقد قدم وقت كتابة المقال طعن مباشر بعدم دستورية المادة 16 من لائحة المجلس مع طلبات إضافية تنصب على إعلان بطلان التصويت بهدف إعلان شغور المقاعد، وقد حددت المحكمة موعدا لتقرير قبول الطعن أو عدم قبوله تمهيدا للنظر في موضوعه، علما انه يترتب على شغور المقعدين وجوب الدعوة لانتخابات تكميلية، لأن المدة المتبقية على نهاية الفصل التشريعي تزيد على ستة أشهر، والطاعن اشار إلى حقه في الترشح. وجود العوار الدستوري، من الناحية الموضوعية، في النص محل البحث راجح، ولكن تقرير النتائج اللاحقة على عدم الدستورية يحتاج إلى تأمل اضافي. علما ان المحكمة الدستورية في أحكام بطلان كامل العملية الانتخابية عالجت مسائل لاحقة على تقرير البطلان أو عدم الدستورية، مثل ميعاد تحديد الانتخابات اللاحقة على البطلان، ومصير التشريعات التي اقرها المجلس المبطل.- النص القائم يضعنا أمام مشكلة إناطة تطبيق القانون بقرار يصدر عن السياسيين. السياسي حتى مع افتراض وجود رغبة عنده في تطبيق القانون بشكل موضوعي إلا أنه يخضع واقعيا لضغوط سياسية أو حتى اجتماعية، ولا يوفر له القانون سبل الحماية في مواجهتها.قد يقول قائل إنه رغم الاشكالات المترتبة على نتائج التصويت المشار اليه، والمنتهي برفض إسقاط العضوية فإن هناك مكاسب قد تم الحصول عليها، فقد أثبت المجلس تضامن أعضائه فيما بينهم، كما أن تجنب إسقاط العضوية جنب المجلس والناخبين تبعات خلو مقعدين. أظن أننا أمام خير نعم، ولكنه قليل في مضمونه مقارنة بالأضرار والتبعات السلبية. فهناك تبعات بعضها سيئ وبعضها معقد تترتب على هذا القرار:- هذا القرار لا يضع المجلس في وضع جيد عند ممارسة اختصاصه الرقابي، فمن يمارس الرقابة استنادا إلى عدم تطبيق القانون لن يكون مقنعا عندما يحاسب طرفا آخر على عدم تطبيق القانون، لأن الآخر سيجد مبررات اجتماعية وسياسية يستند إليها لتبرير المخالفة، وهو يستند في الواقع إلى فعل المراقب.- لن يستطيع العضوان المرفوض إسقاط عضويتهما ممارسة كل مهام العضوية. نعم يمكنهما أن يقدما اقتراحات وأسئلة برلمانية، ولكن لن يتمكنا من المشاركة في جلسات المجلس إلا إذا صدر عفو لمصلحتهما يمنع تنفيذ عقوبة الحبس. وهنا يلزم التذكير بأن ثبوت العضوية أمر مختلف عن وجوب تنفيذ الأحكام القضائية. والحصانة البرلمانية لا تتقرر إلا ربطا بوجود اتهام كيدي، كما تقرر المادة 22 من لائحة المجلس، ولا يجوز وصف الحكم القضائي بأنه "دعوى كيدية"، ولذلك ينحصر وجوب الحصول على قرار برفع الحصانة بمرحلة الاتهام وينحسر بصدور الاحكام.بعد أن وصلنا إلى أننا أمام واقع تصدق عليه المقولة التي أصبحت مثلا؛ خير قليل وفضحت نفسي، هل من حلول يمكن التعويل عليها لعدم تكرار ما حدث؟من الناحية الواقعية أظن أننا أمام واحد من حلين: 1– إلغاء أحوال الحرمان من حق الانتخاب، وهذا توجه أصبح منتشرا وأساسه المنطقي أن المواطن عند ارتكابه جريمة لا تزول عنه المواطنة والحقوق السياسية مرتبطة بالمواطنة. من يرتكب جريمة يحل به الجزاء الجنائي، وهو يدفع ثمن فعلته من خلال تنفيذ العقوبة، وليس من مبرر لحرمانه فوق ذلك من حقوق ترتبط بالمواطنة. وقد يقول قائل: ماذا إذا حبس النائب؟ ونقول إننا في هذه الحالة بصدد تطبيق قواعد الغياب وليس إسقاط العضوية.2- تعديل المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة كي تتضمن أحكاما تقرر سقوط العضوية بحكم القانون، وهي حالة الحكم بعقوبة جناية أو الحكم بفقد الأهلية وجعل الإسقاط بقرار من المجلس خاصا ببقية أحوال سقوط العضوية.