تقاعد مبكر... خراب أكبر!
لاشك في أن الكثيرين مثلي عاجزون عن فك طلاسم أداء مجلس الأمة الحالي، فبينما يسعى إلى تشكيل لجنة برلمانية لإحلال المواطنين مكان الموظفين الوافدين، وتعديل التركيبة السكانية، فإن المجلس ذاته سيقر قبل نهاية الشهر الجاري، وفقاً لرئيس اللجنة المالية والاقتصادية النيابية، النائب صلاح خورشيد، قانوناً للتقاعد المبكر للكويتيين!القانون المرتقب سيسمح بالتقاعد قبل إكمال مدة الثلاثين عاماً من الخدمة للرجل، وخمسة وعشرين عاماً للمرأة، دون الالتزام بأي جداول لسن المؤمن عليه لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهو ما سيجعل سن تقاعد المرأة الأدنى 43 عاماً والرجل 48 عاماً، وهو سن تقاعد غير موجود لدى أي مؤسسة تأمينات حكومية على وجه الأرض للأشخاص الطبيعيين الذين لا يعانون أي إصابات تمنعهم عن العمل.نوابنا الأفاضل يقولون إن التقاعد المبكر سيشجع على التخلص من العمالة المكتبية المتكدسة في الوزارات والهيئات الحكومية، وفتح الباب لتوظيف الشباب المنتظرين للحصول على عمل، والحقيقة بخلاف ذلك، لأن معظم الموظفين الإداريين رواتبهم ضعيفة، لأنهم لا يمتلكون كوادر تشجيعية، ولا بدلات فنية، لذا فإن رواتبهم التقاعدية ستكون متدنية في ظل تكاليف المعيشة المرتفعة حالياً، وهو ما سيمنعهم من التقاعد المبكر، لذلك فهم فعلياً سينتظرون في الوظيفة حتى أعلى درجاتها الممكنة، للحصول على راتب تقاعدي معقول، كما أن حظهم في الحصول على وظائف في القطاع الخاص بعد تقاعدهم شبه معدوم، لذا فهم لا يسعون إلى التقاعد المبكر.
في الواقع إن من سيستفيدون من هذا القانون، ويلجأون إلى التقاعد المبكر هم الموظفون الأعلى تأهيلاً، والذين صرفت الدولة على دراستهم وتأهيلهم مبالغ طائلة، مثل الأطباء والوظائف الطبية المساعدة والتخصصات الهندسية المعقدة والمدرسين... إلخ، لأن هؤلاء رواتبهم التقاعدية عالية، والطلب عليهم في القطاع الخاص سريع وفوري عند تقاعدهم، إضافة إلى قدرتهم على إنشاء مشاريع خاصة بهم، مثل عيادات ومكاتب استشارية ومدارس خاصة عند تقاعدهم.إذاً ونتيجة لذلك، فإن مستشفياتنا الجديدة المعطلة بسبب نقص الكوادر الفنية الوطنية ستتطلب مزيداً من الكوادر الأجنبية، ومشاريع رؤية الكويت 2030 ستتطلب آلاف المهندسين والفنيين الأجانب، ومدارسنا ستعاني نقص الهيئات التعليمية التي ستتطلب مزيداً من لجان وزارة التربية لكي تطوف العالم لتجلب المعلمين، في ظل ندرة المعلم المؤهل والمتميز في معظم الدول العربية، وهو ما يناقض كل كلام النواب عن تعديل التركيبة السكانية، خاصة أن معظم من ينتظر دوره من الكويتيين في طوابير التوظيف هم أصحاب التخصصات المكتبية، إذ لا يوجد مثلاً طبيب أسنان أو أخصائي أشعة كويتي يبحث عن وظيفة.أعلم تماماً أن قضية التقاعد المبكر أصبحت قضية انتخابية وشعبوية، ولن يلتفت النواب أو أغلبيتهم إلى الضرر الخطير والدائم من جراء إقرار هذا القانون المدمر، وأثره كذلك على الصناديق التأمينية، كما أن الحكومة لن تقاوم أكثر، وستجعل القانون يمر، وللأسف سنرى التداعيات المؤلمة لهذا التشريع خلال السنوات العشر المقبلة، سواء على فاعلية القوى العاملة الوطنية أو التركيبة السكانية.