«طائر الجمال»
عدت من ملتقى الشارقة للسرد في مدينة الرباط بحصيلة من الروايات أغلبها كان للكاتبات، وبما أن الملتقى ضم خيرة مبدعين ومبدعات الوطن العربي، فهذا يعني أن حصيلتي من الروايات مميزة، وحتى تكون قراءتي لها عادلة، قررت أن أقسم وقت القراءة والمقال ما بين الكتابات الخليجية والكتابات العربية، على أن يكون كل أسبوع لواحد منهما.وهذا المقال مخصص للكاتبة الإماراتية فتحية النمر، تعرفت عليها في الملتقى، كانت ذات شخصية واضحة قوية كتلة من النشاط والحيوية، تجلس قريبة من المنصة، وتركز تماماً مع الندوة الدائرة، ويكون لها حصة الأسد بطرح الأسئلة، وغالباً أسئلتها تدور حول مسارات العمل الروائي وكيفيته مما استغربته، لكن عندما قرأت روايتها "طائر الجمال" وجدتني أمام روائية متمكنة من أدواتها، وان لهفتها بطرح الأسئلة حول ماهية كتابة الرواية ليست بمكانها، وقلت في نفسي ربما هو زيادة حرص منها لتتأكد من أدواتها.أهدتني روايتي "طائر الجمال"، "وفتنة الداعية"، وبدأت بالأولى على أن يكون لي عودة إلى الثانية.
غرابة موضوع الرواية هو ما شدني إليها، فطائر الجمال رجل يحلم أن يعيش مع امرأة جميلة، وهذا جل اهتمامه في الحياة، فلا أولاده الكثيرون ولا زوجته ولا ثروته ولا أي شيء آخر حصل عليه قد حقق له السعادة وأنساه فكرة الحصول على امرأة جميلة بحسب مواصفاته، التي لا تمتلك زوجته أي شيء منها من وجهة نظره، وهي المرأة ذات الحسب المدبرة التي نمت وكبرت ثروته، وكانت أماً لأولاده وربة بيت بامتياز، لكنه كان يراها امرأة مستبدة مسخت شخصيات أولادها، ولم تمنحه أي اهتمام عاطفي ولم يسره شكلها، فيتزوج عليها فتاة جميلة تصغره بـ20 عاماً، مما يستفز زوجته فتهدم زواجه، ويتزوج بأخرى من قرية بعيدة، لكن في هذه المرة يتغير حال الزوجة، فتهتم بنفسها وتغير شكلها ولبسها تماماً، مما يجعله يقع في حبها وهي باتت تتجاهله تماماً.قصة اجتماعية عادية تحصل مع معظم الرجال العرب، لكن الجديد فيها، الذي يشد القارئ هو الغوص بعمق وبجدارة بتحليل الموضوع من وجهة نظر الطرفين بشكل مقنع حقيقي قوي يجعل القارئ يصدق قول الشخصيتين.تنوع سرد الكتاب هو ما يمنح لذة القراءة، وفتحية النمر تمتلك قدرة بفهم طبيعة الحياة الاجتماعية والتعمق في إدراك شخصياتها وسلوكياتهم وردود أفعالهم المتولدة من روح مجتمعاتهم، والقصة ممكن اختصارها في عدة أسطر، لكن قدرة الكاتبة على التحليل النفسي الاجتماعي لفهم تصرفات الشخصيات ومعاناتها بحياتها، هو الذي خلق امتداداً لهذه الرواية ومنحها قوة جاذبيتها، وجعل القارئ في حيرة في إدراك حقيقة هذه الشخصيات، فكل منها يرى الآخر بشكل بشع لا يطاق: "بكل صدق أقولها أيضا: لا، فلا أنا سعيد بأبنائي، ولا أنا بسعيد بأمهم، ولست سعيدا بأي شيء آخر۔ بصدق لم أشعر بهذه الزوجة أبدا، لم أشعر بها، كزوجة تحقق أحلامي...".هذا من وجهة نظره في زوجته التي يسميها الغولة، ويكاد القارئ يصدق منطقه وكل أحلامه ورغباته الأنانية، ويتعاطف معه إلى أن يقرأ وجهة نظر زوجته حين تكتشف زواجه بأخرى وتقتحم غرفتهما بالأوتيل وتقول للعروس: "ألم تستحي من نفسك، وأنت تبيعين نفسك وشبابك لهذا القبيح الذي لا يقل عن عمر والدك؟ ما الذي أعجبك فيه؟ لا تقولي أحببته، هذا الكريه الذي يقف أمامك، لم يستطع أن يكسب ود من هي في عمره، من بدأت حياتها معه، فكيف بواحدة في عمرك؟ ألم تري وجهه القبيح؟ ألم تنتبهي إلى فمه وكأنه مغارة علي بابا؟ ألم تغرقي في رشاشات المياه المتعفنة، التي يغرق بها كل من يمر أمامه؟ فضلا عن محدثيه؟ ألم يخفك هذا الفم العجيب؟ كيف رميت بنفسك تحت رجل لا يملك من مواصفات، ولا خفة الدم، فضلا عن رجاحة العقل؟ لماذا رميت بنفسك في معركة كهذه؟ ألم تسمعي بي؟ ألم يخبرك أنه لا يساوي جناح بعوضة من دوني أنا؟ ألم يخبرك بأنه لولا عقلي وحسن تدبيري لكان أعزل من كل شيء، حتى من لقمة الخبز"،رواية اجتماعية بامتياز صالحة لقراءة الجميع، كما أنها طرحت سؤالا مهما، هل الحب حق لكل إنسان؟