بعد العقوبات القاسية التي فرضتها واشنطن على طهران، برز تزايد اعتماد الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي لتوجيه غضبهم إلى ما يعتبرونه فساد وإسراف القلة صاحبة الامتيازات التي تنفق ببذخ، في حين تعاني الأغلبية صعوبات كبيرة في اقتصاد يواجه عقوبات أميركية أكثر صرامة.وشهدت البلاد موجة احتجاجات خلال العام الأخير اتسم بعضها بالعنف، لكن مع تزايد الضغوط الاقتصادية يشير الناس بأصابع الاتهام بشكل متزايد إلى أصحاب المال والنفوذ ومنهم رجال الدين والدبلوماسيون والمسؤولون وأسرهم.
ومن بين المنفسين عن الغضب سيد مهدي صدر الساداتي، وهو رجل دين مغمور نسبيا لديه أكثر من 256 ألف متابع لحسابه على موقع «إنستغرام» حيث يكتب منشورات لاذعة تستهدف أبناء الصفوة.وفي أحد منشوراته الأخيرة، انتقد «حياة البذخ» التي يعيشها قائد «الحرس الثوري» محمد جعفري وابنه الشاب، الذي نشر صورة شخصية على الانترنت وهو يقف أمام نمر مستلق في شرفة قصر.وإضافة إلى إسهاماته المكتوبة نشر صدر الساداتي فيديوهات لمناظرات بينه وبين بعض منتقديه شملت مهدي مظاهري، وهو ابن محافظ سابق للبنك المركزي تعرض لانتقادات بعد نشر صورة له يرتدي فيها ساعة ذهبية ضخمة.وتعرض أبناء أكثر من عشرة مسؤولين آخرين للانتقادات على الانترنت، وأصبح يشار إليهم بتعبير «أغا زادة» الذي يعني حرفيا بالفارسية «من نسل النبلاء»، لكنه تعبير ازدرائي ضد البذخ.واستهدفت الانتقادات كذلك رجال دين بارزين، واضطرت محمد ناجي لطفي الذي كان يتولى منصب خطيب الجمعة في مسجد في إيلام للاستقالة بسبب صورة له تظهره خارجا من سيارة رياضية فارهة رغم حديثه بالخطب عن سبل تخطي الفقراء للمشاكل الاقتصادية.
تحدٍّ وتجارة
في هذه الأثناء، رأى رئیس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، أن الولايات المتحدة لم تنجح في ضغط بلاده، وفشلت في محاولاتها لزعزعة الوضع بالداخل وتصفير مبيعات النفط الايرانية.وشدد لاريجاني على أهمية الدبلوماسية واستثمار الطاقات المحلية باعتبارهما من آليات مواجهة العقوبات الأميركية، وقال إن واشنطن كانت تريد من خلال ممارسة المزيد من الضغوط التأثير على الوضع الداخلي في إيران، لكنها لم تستطع أن تحقق شيئا، ولم تستطع تنفيذ رغبتها في تصفير صادرات النفط بحلول الخامس من نوفمبر الحالي. ووصف علي لاريجاني في كلمة أمام محافظي المناطق الغربية، مساء أمس الأول، الظروف الراهنة بأنها حساسة، وأضاف أن «الحظر أثر على قطاع التصدير والاستثمار إلى حد ما، لكننا نبحث عن آليات لخفض الضغوط الناجمة عنها».فرنسا
وغداة تقارير عن فشل الاتحاد الأوروبي في العثور على مستضيف أوروبي لـ«آلية مواصلة التجارية مع إيران» وتفادي العقوبات الأميركية على طهران، أبدت فرنسا استياء من مسار واشنطن الأحادي الذي يرتكز على منع الشركات الدولية من العمل مع طهران لإرغام الأخيرة على إبرام اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي وسياساتها في المنطقة.وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، في تصريحات أمس، إنه سيمنع واشنطن من لعب دور الشرطي التجاري في العالم.ولمح لومير إلى أن فرنسا ستقود أوروبا في تحدي الولايات المتحدة بشأن العقوبات على إيران، قائلاً: «إن تعزيز دور اليورو وإنشاء قناة اقتصادية لتفادي العقوبات هي جزء من الدفع لضمان السيادة الاقتصادية» للاتحاد الأوروبي.واعتبر لومير أن الخلافات في شأن العقوبات الأميركية على إيران أظهر الحاجة إلى تأكيد استقلال الاتحاد الأوروبي.وكان الاتحاد الأوروبي أعلن أنه سينشئ آلية تجارية من أجل حماية الدول الأوروبية والشركات في تعاملها مع طهران، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من اتخاذ الخطوات الفاعلة لتدشين النظام الذي كان يفترض أن يدخل حيز العمل بالتزامن مع إعادة فرض العقوبات الأميركية الاثنين الماضي.استثناء وانسحاب
إلى ذلك، افاد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركي بأن وزير الخارجية مايك بومبيو منح استثناء من العقوبات للسماح بتطوير ميناء في إيران ضمن مشروع تقوده الهند لإقامة ممر نقل جديد لإنعاش الاقتصاد الأفغاني.وقال المتحدث إن الاستثناء سيتيح مد خط سكك حديدية من ميناء تشابهار إلى أفغانستان وشحن السلع غير الخاضعة للعقوبات مثل الأغذية والأدوية إلى البلد الذي تمزقه الحرب. وأضاف المتحدث أن الخطوة ستسمح لأفغانستان أيضا بمواصلة استيراد منتجات البترول الإيرانية التي تهدف واشنطن لخفضها إلى الصفر. واعتبر أن الاستثناء يصب في خانة الدعم المستمر للنمو والإغاثة الإنسانية في أفغانستان ولدعم العلاقات مع نيودلهي.وهددت العقوبات الأميركية قدرة الهند على تدبير التمويل اللازم لتطوير ميناء تشابهار، الذي قد يفتح الطريق لتجارة بملايين الدولارات لأفغانستان وإنهاء اعتمادها على ميناء كراتشي الباكستاني.في سياق قريب، أفاد إشعار بأن مجموعة «أميركان انترناشونال» تتخارج من أنشطة في إيران كانت تزاولها عبر شركة استحوذت عليها، وتواجه الآن العقوبات التي أعادت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها على طهران وتسببت في مغادرة عدة شركات دولية للسوق الإيراني منذ مايو الماضي.