كيف تصفين شخصيتيْ «ندى» في مسلسل «حنين» و«قمرية» في «ثورة الفلاحين»؟
لو لم أُعجب بالشخصيتين لما قبلت بهما. صحيح أن المرحلة الأولى من «ندى» في «حنين الدم» اقتصرت على شخصية الشابة المغرمة التي تنتظر الزواج من حبيبها، وقد سبق أن أديته في بداية مسيرتي التمثيلية، إلا أنني أحببت مرحلة سجنها التي بدت فيها متقدّمة في السنّ، لأن أداءها تطلّب أحاسيس كثيرة ودراما تصاعدية عبر مشاهد الاشتياق إلى طفلتيها، فاستفزّني هذا العمق بصياغة مشاعر الشخصية وشجّعني على القبول بها، خصوصاً أنني أسعى إلى التجديد في أدواري.أمّا «قمرية» في مسلسل «ثورة الفلاحين»، فهو دور جميل وغريب عن شخصياتي السابقة التي أُسندت إليّ، كالمرأة «الكلاس» التي تعيش في فيلا. في رأيي، قرار الكاتبة كلوديا مرشليان والمخرج فيليب أسمر إسنادي دور المزارعة التي تشرد وراء الغنم، جرأة بحد ذاتها.أي من الشخصيتين مؤثرة أكثر لدى المشاهدين؟
يسجّل المسلسلان نسبة مشاهدة مرتفعة، لذا تنقسم الآراء بحسب متابعي العملين. أحبّ الجمهور شخصية «قمرية» رغم أن دورها لم يبدأ فعلياً بعد ومساحتها لا تزال صغيرة في انتظار أحداث ما بعد الحلقة 30 حيث يتفاعل حضورها في الثورة. فيما مساحة دور «ندى» أكبر بكثير منذ الحلقات الأولى. أظنّ أن القدرة في التأثير من خلال شخصية ذات مساحة صغيرة هو تحدٍ شخصي نجحت فيه.تطلّبت الشخصيتان جرأة في الشكل؟
ليست المرة الأولى التي أتخلى فيها عن شكلي الخارجي لصالح دور درامي، وذلك لأن إطلالتي لم تشكّل يوماً هاجساً بالنسبة إليّ. والدليل ظهوري صلعاء في مسلسل «إلى يارا» بدور مريضة في السرطان، وتجسيدي شخصية شاب في فيلم «مشوار» وحينها كنت في قمّة نجوميتي. كذلك في مسلسل «بوح السنابل» قمت بدور امرأة محجّبة لا تضع أي مساحيق تجميل على وجهها. يغيّر ممثلو الغرب معالم وجههم من أجل دور تمثيلي فيما درجت لدينا موضة الفتاة الجميلة الرشيقة التي يتمثّل بها المراهقون. والمفارقة أن ثمة ممثلات أكبر منّي سناً، يرفضن أداء دور الأم، بينما لا عقدة لديّ في ذلك أبداً. في رأيي، يجب أن تتخطى الممثلة أنانية الشكل لتنجح.عمّا تفتشّين في هذه المرحلة من مسيرتك المهنية؟
بعد 20 عاماً من التمثيل والغياب مدّة عن الشاشة، بتّ أفتشّ عن الأدوار الصعبة والجديدة لا الشهرة أو النجومية. هذان الدوران جديدان بالنسبة إليّ، لا يشبهانني أبداً، لا شكلاً ولا مضموناً.ما رأيك بأداء الشباب المشاركين في «حنين الدم»؟
ثمة شباب جيّدون وآخرون بحاجة إلى جهد كثير. عندما كتبت مسلسلاً درامياً لم نجد المنتج إيلي معلوف وأنا بسهولة بطلة عشرينية ذات خبرة في التمثيل. بينما جيلنا، أي ندى بو فرحات وبرناديت حديب وكارول سماحة وأنا، كان أكثر حظاً، حيث حققنا نجومية في العشرينيات. هذا الجيل غير موجوع مثلنا، لذا ينظر غالبيته إلى الحياة ببرودة، بينما كنا عميقين أكثر في أحاسيسنا ورؤيتنا إلى الأمور ربما لأننا شعرنا بوجع الحرب وويلاتها، فالمعاناة في النهاية توّلد الفنّ.نجومية ومقارنة
هل اختلف مفهوم الشهرة والنجومية؟
بدأت مسيرتي الدرامية في سن 17 عاماً، لذا شبعت من الشهرة والنجومية المختلفة عن تلك الموجودة راهناً لأن عدد الممثلين حينها كان قليلا، لذا كنّا نجوماً حقيقيين. فما حققناه بديع أبو شقرا وأنا في فيلم «أحبيني» ويورغو شلهوب وأنا في فيلم «مشوار»، و في «طالبين القرب» جعلنا ماثلين بقوّة في ذهن الجمهور.أي تأثير لمواقع التواصل الاجتماعي في عيش هذه النجومية المزيّفة؟
لست منتسبة إلى «تويتر» أو «إنستغرام» ولست ممن يتابعون «فيسبوك». أنا بعيدة عن العالم الافتراضي، ورغم ملامتي على ذلك، فإنني أراه خطراً كبيراً، خصوصاً متى صدّقنا أن محبّة الناس تقاس بعدد الإعجاب. إنه عالم وهمي، والدليل أن ثمة أناساً حصلوا على آلاف المعجبين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولكنّ أفلامهم لم تحقق نسبة مشاهدة في الصالات. فضلاً عن ذلك، لا أفهم كيف يعرض بعضهم خصوصية أولاده وعائلته عبر صفحات التواصل الاجتماعي. ما يهمني هو التطور مهنياً وأداءً، بدلاً من حرمان أولادي منّي لقضاء ساعات على هذه الشبكات. كذلك أرى أن من المعيب جداً استخدام المعجبين في تصفية الحسابات الشخصية بين الفنانين وتجييشهم للشتم ولخوض معارك وهمية.مشاعر الأمومة تتأجج في أداء شخصية مثل «ندى»؟
أشير أولاً إلى أننا صوّرنا في ظروف صعبة جداً حيث مكثنا في موقع مهجور مليء بالغبار، فواجهت صعوبة في التنفس. من جهة أخرى، من الطبيعي أن يتفاعل شعور الأمومة لديّ في هكذا دور، لذا لم تتوقف دموعي طيلة فترة التصوير. فشكّلت هذه الشخصية تحدياً جسدياً ونفسياً في آن. أشكر المنتج إيلي معلوف على ثقته في قدرتي على أداء ما يتطلب قدراً عالياً من الأحاسيس الدرامية، خصوصاً أنني أطلّ بمشاهد منفردة طيلة 22 حلقة فإلى أي مدى يمكن التنويع للحفاظ على اهتمام المشاهد!تخطّى إنتاج «ثورة الفلاحين» سائر الأعمال الدرامية اللبنانية، فهل تجوز مقارنته بسواه؟
دفع المنتج جمال سنّان مبلغاً ضخماً لإنتاج المسلسل، إن لجهة تأمين ديكور قصر سرحال وترميمه في جزّين حيث يعيش «البكوات» أو لجهة تأمين مجموعة الفساتين التي صممت بطريقة محترفة. كذلك ضمّ المسلسل أكبر عدد من النجوم اللبنانيين، فشارك بعضهم بمشهد واحد كالممثلة رولا حمادة أو بضعة مشاهد كالممثلة نهلا داود أو بضع حلقات كالممثلة ماغي بو غصن، فشاركت هذه الأسماء الدرامية الكبيرة لمجرّد الرغبة بالظهور فيه. فلكل تلك التفاصيل لا تجوز مقارنته مع أي مسلسل آخر.كتابة ووجع
كتبت مسلسلان بطابع اجتماعي إنساني عميق، فهل مسلسلك المقبل ذو وجه إنساني أيضاً؟
أكتب دائماً عن وجع ما. عندما كتبنا لورا خبّاز وأنا مسلسل «إلى يارا» أردت التعبير عن معاناة والدتي مرض السرطان وشفائها منه. وّجهت من خلاله رسالة بأن الأمل في الشفاء موجود. أمّا موضوع أطفال الشوارع، فهو يؤثر فيّ أيضاً لهذا السبب كتبت «شوارع الذل» وقد تعاونا مع وزارة الشؤون الاجتماعية في هذا الإطار. كتبت أخيراً قصة نائب جماهيري محبوب لخدماته الإنمائية، لكنني دخلت إلى عالمه الخاص وأسلوب حياته الزوجية والعائلية بهدف إظهار وجهه الخفيّ.هل ستشاركين في هذا المسلسل؟
كلا. سأكتفي بكتابته لأنني لا أحب التسويق لنفسي. لدي شغف برؤية شخص آخر يؤدي حواري. عندما علمت أنني سأمثّل شخصية في «شوارع الذل» ارتبكت ولم أكن أعلم كيفية كتابة دوري. لست كاتبة محترفة بعد، أكتب بتأنٍ وبطء، فإذا نجح المسلسل الثالث عندها سأتشجع أكثر. لقد سلّمته إلى المنتج إيلي معلوف وأفضّل أن أراقب من الخارج مرحلة التحضير والتنفيذ فإذا وُفّقت، سأستمرّ في الكتابة، وإن فشلت أعتبر أنني حاولت ولم أنجح.متى يشعر الممثل بحاجته إلى الكتابة؟
أردنا لورا خبّاز وأنا رفع الصوت في مسلسل «شوارع الذل». أما في «إلى يارا»، فأردت التعبير عن وجعي من معاناة والدتي مرض السرطان. بالنسبة إلى المسلسل الذي يتناول حياة نائب، أردت التحدث عن سياسيين أعرفهم بوجوه عدّة والإضاءة على أنهم لا يختلفون عنّا بل أحياناً أسوأ منّا.نقلة نوعية في الدراما اللبنانية
هل يكفي إنتاج مسلسل واحد ضخم سنوياً لتحقيق نقلة نوعية في الدراما؟ تقول فيفيان أنطونيوس في هذا الشأن: «نتمنى كفنانين لو توافر مسلسل واحد ضخم سنوياً «كثورة الفلاحين» لأن مستوى الإنتاج ينعكس على الصورة، وعلى ظروف التصوير، كذلك على توافر الأكسسوار والمواقع ما يريح الممثل ويساعده في تجسيد شخصيته بعمق أكثر. نعلم أن هكذا إنتاجات لا تتكرر بسهولة وأنا واثقة من أن شركة «إيغل فيلمز» لم تربح مادياً في هذا المسلسل حتى لو بيع لصالح محطات عربية. لذا كنا محظوظين بالمشاركة فيه لأننا لا نعلم متى سيتسنّى لنا العمل في مسلسل مماثل».وحول إنتاجية المسلسلات اللبنانية غير المشاركة في المنافسة الرمضانية، تؤكد الممثلة اللبنانية أنها فرحة بهذه العجلة الفنية الجميلة التي فعّلت المنافسة الإيجابية في إنتاج الأعمال الدرامية. وفي هذا السياق تذكر: «مشكورة محطات التلفزة المحلية التي وثقت في المسلسل اللبناني ووضعته في برمجة ساعات الذروة، ما يشعر الممثل اللبناني بأنه نال حقه معنوياً رغم أنه لم يأخذ حقه المادي بعد، كذلك مشكور الجمهور الذي يواكب الدراما اللبنانية».ولكن رغم ذلك لا يزال ثمة ركود على صعيد عرض المسلسل اللبناني في محطات فضائية عربية، والسبب بحسب أنطونيوس، أن دولتنا لا تدعم هذا القطاع أبداً. تتابع: «يحتاج الانتشار خارج لبنان إلى دعم رسمي، لذا يجب أن تفكّر الدولة بأن مواقع تصوير المسلسلات بمنزلة تسويق السياحة في لبنان. مثلاً، نتلقى اتصالات لمعرفة موقع قصر سرحال الذي صوّرنا «ثورة الفلاحين» فيه. فلو توافرت جهود الدولة لحافظت على هذا القصر بعدما رُمّم بهدف تسويقه سياحياً أسوة بما يحصل في تركيا حيث يقصد السيّاح أماكن تصوير المسلسلات. لا تزال جهود الإنتاج فردية في لبنان ولا يتوافر أي دعم رسمي، فكيف سنسوّق خارجاً إذا لم تعترف المؤسسات الرسمية فينا».في الختام تؤكد فيفيان أنطونيوس أننا في لبنان اليوم في مرحلة التمثيل الحقيقي والوجوه العادية القادرة على التأثير في الناس، لا مرحلة النفخ والإثارة، فمن الجميل، كما توضح، أن يعتاد الجمهور على وجوه غير جميلة إنما ملؤها الأحاسيس بدلاً من وجوه جميلة باردة».