وجهة نظر: التبعات الاقتصادية لكونغرس منقسم
توافقت نتائج انتخابات الكونغرس النصفية إلى حد كبير مع التوقعات، حيث حصد الديمقراطيون غالبية مقاعد مجلس النواب، وهذا يعني أن إدارة الرئيس ترامب لن تتمكن، كما كانت الحال قبل هذه الانتخابات، من تمرير مشاريع القوانين التي تروق لها عبر أصوات الجمهوريين فقط، بل هي مضطرة إلى التوافق مع الديمقراطيين على ما يدخلونه من تعديلات على هذه القوانين. كما أصبح بمقدور مجلس النواب استدعاء أركان السلطة التنفيذية والتحقيق معهم، بل والتحقيق في قضايا تتصل بالرئيس ذاته.لكن المفاجأة التي حملتها هذه الانتخابات، والتي تحد من قوة الديمقراطيين، هي محافظة الجمهوريين على أغلبية الأصوات في مجلس الشيوخ، بل وتعزيز هيمنتهم عليه من خلال زيادة عدد الشيوخ الجمهوريين الداعمين بقوة لسياسات الرئيس، واكتساب مقاعد إضافية في هذا المجلس، وهذا أمر لا يحدث عادة في الانتخابات النصفية. وهو يعني أن الرئيس ما زال يحتفظ بسلطة التعيين على مستوى الإدارة التنفيذية والسلطة القضائية العليا.
شهر عسل ديمقراطي مع ترامبفي قراءة التبعات الاقتصادية المترتبة على كونغرس منقسم، بين مجلس نواب ديمقراطي وشيوخ جمهوري، يجب، بداية، التأكيد على وجود مساحة كبيرة من التوافق بين التوجهات الاقتصادية لإدارة ترامب والفلسفة الاقتصادية للحزب الديمقراطي. إذ تتوافق سياسة الديمقراطيين في دعم وتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز فرص التوظف، مع مشروع ترامب الطموح المتعلق بتطوير بنية الطرق والنقل، وإعادة تأهيل شبكات السكك الحديدية وتمويل مختلف مشروعات البنية التحتية على مستوى كل ولاية من الولايات.كما تتناغم سياسة الديمقراطيين مع استهجان ترامب للزيادات المتسارعة في سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي، وهذا يضع ترامب خلافا لإدارات جمهورية سابقة على مقربة من التوجهات الديمقراطية التي طالما عارضت أسعار الفائدة المرتفعة ذات التأثير السلبي على النمو، ويبعده عن توجهات الجمهوريين التقليدية المتوجسة خيفة من أثر النمو على معدلات التضخم. كما يقترب ترامب من الديمقراطيين في معارضة الارتفاع المبالغ به في أسعار الأدوية، والضغط من أجل زيادة إنتاجها، وإن كان الجانبان يختلفان في أسلوب المعالجة، إذ يتجه ترامب إلى زيادة المعروض من الدواء عبر تخفيف القواعد التنظيمية التي تحكم صناعته، بينما لا تقر الأغلبية الديمقراطية هذا التوجه، فهي ترى أن المشكلة تكمن في الممارسات الاحتكارية لمصنّعي الدواء، وهذا يستدعي مزيدا من التنظيم الحكومي وليس العكس. مُجبر أخوك لا بطلكما قد يتوافق الرئيس الأميركي مع الديمقراطيين، مضطرا، على سياسة رفع الحد الأدنى للأجور على المستوى الفدرالي، رغم أن هذا التوجه قد يقتطع من هامش أرباح الشركات، ويغذي التضخم، وهذان أمران مؤرقان لعتاة الجمهوريين، لكن ترامب قد يعزف على وترهما رغبة في التودد الى الشارع الذي يخشى أن يفقد فيه مؤيديه من الطبقة العاملة، خاصة عندما يقترب موعد حسم الانتخابات الرئاسية الجديدة بعد عامين من الآن.نقاط التعارض المفصلية بين مجلس نواب يحكمه الديمقراطيون وإدارة البيت الأبيض الجمهورية ستكمن في تحديد الأولويات القطاعية، إذ بينما يميل الديمقراطيون الى دعم قطاعات الاقتصاد الجديد واقتصاد الخدمات والمعرفة، يدعم الجمهوريون قطاعات الإنتاج التقليدي التي فقدت قوتها بسبب القدرة التنافسية الهائلة للاقتصاد الصيني. وهنا قد يسلك البيت الأبيض مسارا مختلفا عن المسار الديمقراطي، إذ يميل الجمهوريون الى تصعيد المواجهة مع الصين، وربما مع إيران أيضا. وقد تعصف الاختلافات الجوهرية بين مواقف الحزبين في هذا المسار، ومسارات دولية أخرى بشهر العسل الديمقراطي المرتقب مع البيت الأبيض.تحسُّن أسعار النفطعلى صعيد صناعة النفط، التي تعد صناعة جمهورية بامتياز، من المرجح أن ينصرف البيت الأبيض عن سياسة الضغط على أسعار النفط الخام وعلى "أوبك"، وهذا يعني مزيدا من التشدد في العقوبات على إيران. ويتعارض دعم الصناعات النفطية مع توجهات الديمقراطيين الذين تضم صفوفهم جماعات الضغط البيئية التي تدعو الى محاسبة البيت الأبيض على قرار الانسحاب من اتفاق باريس، وفي هذا السياق، يتناغم سعر مرتفع لبرميل النفط مع توجهات الحزبين، كلّ لأسبابه الخاصة، وهذا قد يعني عودة أسعار النفط الى التحسن وصولا الى نهاية العام الحالي، بيد أن هذا كله يبقى مرتبطا بدرجة تصعيد المواجهة التجارية مع الصين.* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت