حضن الورق
الكلمة ملجأ، والقلم رفيق. ارتمِ في أحضان الكلمات وكنف الأوراق، فبياض الورقة الصمّاء سيحتويك بدفءٍ لم يعد يعرفه بنو البشر. هي خير مستمع عندما يُصعّر الإنسان خدّه متململاً من آلامك وشكواك. هذه الورقة تحفظك من ذل الشكوى وتكتم سرّك الذي فاض به قلبك.وفي الكتابة تشافٍ للقلب وتسامٍ للروح... أنت إن احتفظت بفوضى الكلام بقلبك فستؤذيه، فاسكب أحزانك إذاً على الورق، ولا تنسه في سعادتك وأفراحك! فقد كان في جوارك وقت الصعاب. أعط الألم وقتاً للتحلل والاختزال، واصنع منه جمالاً بالفن والأشعار، فما الحكمة سوى جرحٍ قد برئ ودرسٍ مُتَعلّم. وعين الحكمة هي الاستفادة من الدروس التي تأتينا لا محالة بدلاً من السير في هذه الحياة بتخبطٍ أعمى، فنحن لم نُخلق عبثاً أو لنتألم دون مغزى.اقرأ وسيتغير عالمك، اكتب وسينقلب رأساً على عقب! اقرأ واكتب وستخترق بصيرتك ضبابية الأشياء فتصل إلى لبّها، اكتب وستصل إلى قاع قلبك... هنالك حيث يقبع كل ثمين. فالقلم هو مشرط الجراح الذي يستأصل الآلام، وهو الشفرة التي تشحذ نصل العقول.
إن الكتاب جليسك، هو ذلك «الخل الوفي» نادر الوجود، فلا يجرح ولا يخون، بل تقضي أجمل الأوقات معه بين المتعة والفائدة، ويأخذك بين أطياف المشاعر من سعادة وأسى، وفضول وانغماس، فتغدو حياتك أكثر غنى وعمقاً، وكأن حيواتٍ أخرى تنمو وتتفتح على أرضها. إنه ينتظر من يُعيره بعضاً من الاهتمام، فلديه الكثير من الكنوز القيمة التي يود أن يشاركه أحد بها، لكن ياللأسف! فكنوز القلب لا تعني شيئاً قي زمننا هذا. إنه يجلس هناك فوق الأرفف بين أترابه من الكتب الأخرى، يجمعون الغبار في انتظارهم الطويل، فهل من مجيب؟* «وراء كل كومة من الكتب طوفانٌ من المعرفة». (جاسيك ييركا).