رهان «البنتاغون» على كسب معركة الذكاء الاصطناعي
في عام 2013 انطلقت الطائرات المسيرة من طراز اكس – 47 بي بصورة مستقلة وتمكنت من تحديد مسار طيرانها وأكملت المهمة التي كلفها بها البشر، وأعلنت تلك العملية بزوغ فجر أنظمة تسليح مستقلة، ولكن الطائرات المسيرة لم تكن مستقلة بالمعنى الصحيح نظراً لأن البشر كانوا يخططون لجميع مراحل عملياتها مع ترك القرار لها لتحديد الخيارات المطلوبة.وبعد خمس سنوات يقول خبراء الطيران إنهم يقومون بخطوات من شأنها تغيير الحروب في المستقبل، واليوم دخل الذكاء الاصطناعي حلبة المنافسة الجديدة في الميادين العسكرية مع تقدم الصين وروسيا في هذا الميدان فيما سارعت وزارة الدفاع الأميركية الى اتخاذ خطوات لافتة على الرغم من اعتبارها من قبل البعض بأنها انطلقت متأخرة.
الموجة التالية من الذكاء الاصطناعي
في خطوة تعكس مدى الثقة في قدرات تعليم الآلات الحالية منحت وزارة الدفاع الأميركية في الآونة الأخيرة بوز آلن هاملتون عقداً بقيمة 885 مليون دولار على خمس سنوات من أجل تقديم أول استخدام واسع النطاق لأنظمة الذكاء الاصطناعي يشمل تحليل الكميات الهائلة من المعلومات التي وفرتها الطائرات المسيرة، كما أن وكالة استخبارات الدفاع (دي آي ايه) تقوم بصنع نظام مساعدة سريع لعمليات تحليل قاعدة بيانات تهدف الى جعل التفاعل بين المحللين البشر وكلاود وأنظمة معالجة المعلومات المؤتمتة أكثر فعالية.وعلى الرغم من وجوده منذ حوالي نصف قرن على شكل فكرة فإن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة غير ناضجة نسبياً للتطور، ويركز عقد بوز آلن على ما يعرف عموما باسم «الذكاء الاصطناعي الضيق» حيث يركز برنامج الحاسوب على هدف محدد وغالباً يشتمل على أتمتة ما قام به البشر في وقت سابق. أما مشروع «داربا» فهو أكثر طموحاً، وبحسب مدير هذا المشروع ستيفن ووكر فإن الذكاء الاصطناعي «نكست» يسعى الى «استطلاع كيفية حصول الآلات على اتصالات مع القدرة على تحديد أوضاع وبيئة جديدة والتكيف مع هذه الحصيلة».مستويات ذكاء أعلى
والهدف من وراء ذلك كما تم شرحه على موقع الذكاء الاصطناعي «نكست» هو تحقيق مستويات أعلى كثيراً من الذكاء تسمح بها الآلات في ما يتعلق بأنظمة الأسلحة، والمضي الى أبعد من أنواع الطائرات المسيرة التي كانت لسنوات عديدة جزءاً من الترسانة الحربية.ويقترح الجيل التالي من داربا الذكاء الاصطناعي تطوير تفكير منهجي يتعلق بما يدعوه علماء الذكاء الاصطناعي «التعلم غير المراقب» حيث تحاول العمليات الحسابية نفسها تحديد نماذج في المعلومات.في غضون ذلك بدأت واشنطن استطلاع مضاعفات السياسة المتعلقة بالموجة التالية من الذكاء الاصطناعي والتي تشمل الامكانية التقنية والتأثير البشري على المسائل الأخلاقية. كما أن لدى قلة فقط من صناع السياسة فكرة واضحة عما يعنيه الذكاء الاصطناعي أو كيفية تطوره. وعلى أي حال فإنهم يصغون الى تهديدات دول معادية تتقدم على الولايات المتحدة في قدرات الذكاء الاصطناعي. وتتصدر الصين قائمة تلك الدول ويليها بصورة مباشرة روسيا كمصدر للقلق. وتعتبر الصين الدولة الأولى في العالم وقد خصصت أكثر من ملياري دولار من أجل بناء متنزه صناعي للذكاء الاصطناعي وهي تأمل في تعزيز صناعة هذا الميدان بحوالي 150 مليار دولار خلال أقل من قرن، وقد بدأت روسيا على الرغم من تخلفها في هذا المجال بوضع خطة شاملة تهدف الى زيادة الأتمتة في المجتمع والقوات المسلحة اضافة الى اقامة مركز وطني لتطوير الذكاء الاصطناعي وبدأت بسلسلة من ألعاب حرب هذا الذكاء من أجل فهم التقنية المحتملة في ساحات القتال. وبسبب مثل هذه التطورات يشعر الكثيرون بأن الولايات المتحدة تحاول اللحاق بالدول الاخرى وخاصة بالصين.دور «البنتاغون»
ومع بذل واشنطن لجهود طرح خطة وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي بدأت وزارة الدفاع أجندتها الخاصة وأعلنت في الصيف الماضي عن تأسيس مركز مشترك للذكاء الاصطناعي تحت ادارة مسؤول المعلومات في الوزارة مع دعم من جانب مجلس الابتكار برئاسة الرئيس السابق لشركة غوغل اريك شميت، وسوف يعمل هذا المركز على دراسة دور الذكاء الاصطناعي والتعلم عبر الآلات في الأنظمة العسكرية. وبشكل أكثر تحديداً سوف يقوم المركز بتنسيق عمل مبادرات الذكاء الاصطناعي التي تحظى بأولوية قصوى اضافة الى زيادة التعاون مع القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية ومحاولة تطوير الجيل التالي من مواهب الذكاء الاصطناعي.ومن المحتمل أيضاً أن يعمل المركز على دعم عمل وحدة الابتكار في وزارة الدفاع التي تأسست على مقربة من وادي السيلكون في سنة 2015 من أجل التشارك مع شركات مدنية بغية طرح أساليب استثنائية وغير تقليدية عالية التقنية لبرامج وزارة الدفاع. وتشمل أمثلة الشراكة مع وحدة الابتكار في البنتاغون عملية مع شركة تهدف الى تحديد ورصد وابعاد الطائرات المسيرة المارقة عن الأجواء وعملية اخرى تستخدم الحساب من أجل توقع حدوث أعطال ميكانيكية في العربات المدرعة المقاتلة التابعة للجيش.في ضوء الوتيرة السريعة للتطور في هذا الميدان قد يكمن الأساس لنجاح الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي في الشراكات بين القطاعين العام والخاص على غرار ما تحقق في وحدة الابتكار في وزارة الدفاع. وعلى الرغم من ذلك فإن المعارضة من جانب غوغل وغيرها من شركات التقنية ازاء العمل مع واشنطن يمكن أن يدفع الحكومة الأميركية الى البحث عن شركاء راغبين. وعلى سبيل المثال فقد وعد الرئيس التنفيذي لشركة غوغل ساندر بيشاي في الصيف الماضي ألا تعمل شركة غوغل في تطبيقات عسكرية في ميدان الذكاء الاصطناعي. وجاء هذا الوعد كردة فعل على الانتقادات التي وجهت الى غوغل بسبب تعاونها مع مشروع مافن في سلاح الجو الأميركي وهو عبارة عن مبادرة ترمي الى أتمتة طريقة تعريف صور التقطتها الطائرات المسيرة والأقمار الاصطناعية.وثمة سؤال حول اهتمام البنتاغون بالذكاء الاصطناعي بما يعني قدرة الوزارة على القيام بعمليات أكثر فعالية وتدميراً.ويمكن لهذا التحفظ أن يتحول الى نقطة ضعف مدمرة بالنسبة الى الولايات المتحدة. ويعلم وادي السليكون أن التقنية تستمر من دون توقف والافتقار الى الاستثمار الحالي في النوعية المتقدمة من الذكاء الاصطناعي في الصناعة الدفاعية يمكن أن يضع الولايات المتحدة في مركز غير ملائم في سباق التسلح في الجيل التالي. ومن أجل عدم التخلف سوف يتعين على وزارة الدفاع الأميركية في المقام الأول تمويل شركات ناشئة ترغب بالعمل مع الجيش وهي تقوم بعمليات متقدمة في بحوث هذا المجال.جهود الصين
قد تتمكن الصين من الوصول الى كميات كبيرة من المعلومات اللازمة لتحسين العمليات الحسابية التي تسهم في تحقيق استهداف أسرع واتخاذ القرار، ولكنها تظل متخلفة في مجال امتلاك التقنية الأساسية في الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تطوير الأجهزة. وهذا يعني أن الولايات المتحدة تحتفظ حتى الآن بتقدم طفيف على الصين في ميدان سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي ولفترة يمكنها خلالها التحول الى أنظمة أسلحة ناشئة.وهكذا فإن الأولوية الثانية بالنسبة الى وزارة الدفاع الأميركية سوف تتمثل في الدفع بسرعة نحو تقنيات متكاملة مؤكدة للذكاء الاصطناعي مثل تحديد الأسلوب والقدرات التشغيلية، أما الأولوية الثالثة فتتمثل في رعاية البحوث الأساسية الرامية الى بلوغ الجيل الثالث من الذكاء الاصطناعي من أجل وضع الجيش في مركز متقدم خلال 20 أو 30 سنة.وفي حال غياب مثل هذه الخطوات فإن تقدم الولايات المتحدة سوف يتقلص بمرور الوقت وربما بشكل أسرع من المتوقع. ومع قدرة القوات المسلحة الصينية على العمل بطريقة أوسع داخل منطقة الهند والمحيط الهادئ فإن براعتها قد تجعلها قوة أكثر تهديداً وذلك نتيجة عقود من تحديث الأسلحة التقليدية. كما أن الجيش الصيني سوف يغير بدوره حسابات الدول الكبيرة والصغيرة وربما يدفعها الى تحقيق تسوية من أجل تفادي مواجهة مع بكين.سباق التسلح عملية بشعة ولكن عبر التاريخ لم يتمكن أحد من احتواء التقنية بصورة ناجحة، لقد اقترب عصر الذكاء الاصطناعي بشدة وفي عالم يحفل بقوى مطلقة سوف يضطر الجيش الأميركي الى دمج التقنية الحديثة في ترسانته بسرعة وبشكل شمولي ما أمكن.