نقطة: من صادها عشّى أجياله القادمة
الأمثال الشعبية والأقوال والحكم المأثورة نتاج بيئتها وزمنها، وغالباً ما تلخص مثل هذه المقولات والأمثال فكرة أو تجربة، لتتردد على ألسنة الناس بعد ذلك، وتستخدم حسب الحاجة والموقف، ليعبروا بها عن رأيهم فيما يجري معهم وحولهم. ولأن العرب يحبون الكلام أكثر من الطعام؛ فإنهم أحياناً يحددون اتجاهاتهم ويبررون مواقفهم بناء على هذه الأمثال والأقوال والأشعار، فيكون تأثيرها سابقاً على تفكيرهم وموجهاً له، لا لاحقاً، للاستدلال أو لزوم ادعاء الحكمة فقط.الزمن تغير بشكل أسرع من المتوقع في السنوات الأخيرة، والتغيير أصاب كل شيء حولنا، إلا كلامنا وأمثالنا الشعبية وحكمنا المتداولة، ولابد من الالتفات لها وإعادة النظر فيها ومحاولة تغييرها بما يناسب المرحلة الزمنية المستعجلة، التي نمر بها، فنؤلف أمثالنا ومقولاتنا الجديدة، ونعيد صياغة بعض القديم بما يناسب الأجيال الناشئة والتطورات الحديثة، مع حفظ أصل الفكرة، إن كانت تستأهل ذلك، ونبدأ بإبداع، ومن ثم تدوين تراث جيلنا وزمننا بأيدينا، والذي يجب أن يعبر عن حكمة وتجربة ومفارقات مرحلتنا، فنورثه للأجيال القادمة، ولا نكتفي بمجرد نقل وتوصيل ما جاءنا من الأولين، والذي أضحت نتائج استمرار تكراره واضحة للعيان، كما أزعم.
فعندما تكون الإيداعات والتحويلات مليونية مثلاً، عندها يصعب القبول بمثل "إذا عطوك الشيوخ مرق حطه بشليلك"، فزمن الأمراق والشليل والرضى بالقليل قد انتهى، وأصبح من الأنسب القول "إذا قبضوك كاش خذها وانحاش". وفي زمن كاد ينقرض فيه المحمّر من على الموائد فلن تُبهر أحداً من الجيل الجديد ببلاغتك حين تقول له "حتى أهل المقابر يشتهون محمر"، وكأنك خلطت أغنية "ثريلر" بالمطبخ الكويتي، فأدخلت مايكل جاكسون على سليمان القصار، وتظن أنك بذلك قد بلغت رأس الحكمة، بينما قد يكون من تحدثه لا يعرف ما هو المحمر أساساً، ويظن أن أهل المقابر هم موظفو البلدية المشرفون عليها، فإذا ما استبدلناها بـ "حتى الجياكر يشتهون سيلفي" فحينها قد نكون أصبنا كبد الحكمة المرجوة، وسايرنا العصر وأوصلنا الفكرة بأحدث التعبيرات المتاحة. كما، وعوضاً عن التعليق بـ "لا يصلح العطار ما أفسده الدهر" في زمن الشفط والحفر والبوتكسات، حيث لا أحد أصبح يزور العطار إلا لمتاعب القولون العصبي، نستطيع القول: "لا يصلح الدكتور ما أفسدته الجينات"، ليصبح أكثر ملامسة للواقع وعوامل التعرية والاستصلاح. ولأن التكنولوجيا الحديثة كذلك قد أضفت لمستها على الأشكال والوجوه، فيمكننا القول: "الناس مخابر مو فلاتر"، بدلاً من المثل المعروف، ومع ازدحامات الطرق المستديمة، والتي أصبحت من معالم دولة الكويت الحبيبة، في ظل حكومتها الرشيدة، وللتعبير عن الاستغراب ممن مازالوا يشترون السيارات الرياضية الفارهة بأغلى الأثمان، دون إمكانية الاستمتاع بها والاستفادة من سرعتها، يمكننا القول: "وش فايدة البورش بالزحمة؟!"، وبما أننا مازلنا بالشوارع، والتي تظهر فيها أخلاق الناس من خلال أسلوب قيادتهم لمركباتهم، فنستطيع القول كذلك: "السيارة بنتلي والأخلاق توكتوك"، وهو مثل يصلح للاستخدام في أماكن ومناسبات متعددة ومع شخصيات كثيرة، بالطبع. ومن العبارات الشهيرة على بطاقات دعوات الأعراس جملة "جنة الأطفال منازلهم"، التي نستنبط منها مثلنا المستحدث "جنة المتقاعدين لوازم العائلة"، مع التمني باستبدال بطاقات عافية للمتقاعدين ببطاقات خصومات وتخفيضات يشترون بها ما يشاؤون من معدات ومطارق وأوانٍ من لوازم العائلة، ليشغلوا بها أنفسهم، بعيداً عن احتيال وتهويل بعض الأطباء، وسيشفون بالتبعية من أغلب ما بهم من أمراض موهومة نابعة من الفراغ والملل، وليست عضوية المنشأ.تفضلوا اكتبوا أمثالكم بأيديكم..