أعينكم على عامل النظافة!
أول العمود: كان من الأسلم أولاً معرفة جوانب القصور بعد موجة الأمطار الكثيفة على البلاد، لأن الإقالة تأتي كقرار لاحق بعد أن يعرف الشعب الحقائق.***
كثيراً ما يتكرر مشهد عامل النظافة بزيه الأصفر وهو واقف بطوله على حافة حاوية سيارة القمامة وهي تسير في شوارعنا، وهو مشهد مأساوي منقطع الصلة بحقوق الإنسان بسبب عدم توفير الشركات شروط الصحة البدائية له، لكن هذا ليس هو موضوع المقال. ما يلفت النظر أن هذا العامل ذكي، وقد تفتق ذهنه إلى استغلال مخلفاتنا التي أكلت أراضي الدولة برميها في مرادم النفايات، وقام بإعادة فرزها، وهو واقف، وبيع ما يمكن بيعه طلباً للرزق. أما نحن، الشعب وحكومته، فلم نلتفت إلى قيمة العمل الذي يقوم به هذا العامل البائس من عمل حضاري وبيئي حتى لو كان الغرض من عمله مادياً. في دولة الكويت الحضارية الغنية بالنفط لا نزال نستخدم أكثر وسائل التخلص من النفايات تخلفاً في العالم، وهي دفنها كما ترميها المصانع والمنازل والمستشفيات والشركات (ألمانيا أوقفت الدفن منذ ٢٠٠٥)، فلا حديث عن إعادة تدوير أو معالجة أو فرز قبل الدفن، ومعلوم أن معدلات الفرد الكويتي من النفايات بلغت مستوى 1.4 كيلو غرام يومياً، وهو من أعلى المعدلات العالمية مقارنة بنسبة عدد السكان.هناك حديث موسع وعميق في دول عديدة عن اقتصادات التدوير وإعادة استخدام النفايات في مجالات مختلفة كإنتاج الكهرباء والأسمدة الزراعية والورق وغيرها من الفوائد، لكننا لم نصل إلى اليوم ومنذ سبعينيات القرن الماضي إلا إلى استخدام مقالع الصلبوخ ودراكيل رمل البناء المهجورة واستخدامها كمكان لردم النفايات التي بلغ عددها ١٨ مردماً (المفتوح منها اليوم ٤ دراكيل) تهدد المياه الجوفية وتنتج غازات سامة وتعرقل إقامة مشاريع إسكانية وأحياناً تهدد صحة سكان المناطق القريبة من تلك المرادم. الأرقام تفصح عن أكثر من ١٥٠ مليون دينار تعود للدولة والقطاع الخاص، لو تم التفكير جدياً في مسألة إعادة تدوير النفايات التي بلغت أكثر من ١٢٪ من إجمالي النفايات، لأن البقية عبارة عن فائض أطعمة ومواد غير قابلة للتدوير (بحسب دراسة لجامعة الكويت ٢.١٦).هناك خطوات أولية يمكن البدء بها لوقف تخريب البيئة البرية من النفايات والمواد السامة، وهي مشروع بيع النفايات المفروزة من قِبل الأهالي إلى شركات تدوير النفايات المحلية بالتعاون مع اتحاد الجمعيات التعاونية، وبمقابل مادي يُمنح للفرد عن كل كليو مفروز، وذلك لتحقيق الوعي الشعبي وإشراك الناس فيما يحصل من تعدٍّ وإجرام في حق البيئة، وثانياً في إفساح المجال للشركات العالمية للاستثمار في هذا المجال، وتسهيل العقبات على المستثمرين المحليين في مجال التدوير. وليكن ما يفعله عامل النظافة الواقف في حاوية سيارة جمع النفايات نموذجاً لنا في كيفية استثمارها!