لا سبيل إلا الوحدة لمنع تصفية القضية الفلسطينية وحماية حق الشعب
كثيرة هي المآسي والخسائر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ومنها نكبة عام 1948، التي ارتبطت بعدم السماح له، أو بعدم قدرته على تمثيل نفسه بنفسه، وبغياب قيادة وطنية موحدة لنضاله.ولم تكن مصادفة أن الشعب الفلسطيني قدم تضحيات باهظة، وخاض نضالات عديدة حتى حقق الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا له ولقضيته، وهو أمر حاولت إسرائيل وحلفاؤها مرارا منع حدوثه، أو سعت إلى تخريبه ونسفه.ولا يحق لأحد أن يُغفل، أن الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة كان صاحب الفضل الأكبر من خلال الانتفاضة الأولى، في إنقاذ منظمة التحرير من محاولات عزلها، بعد أن نجح الاحتلال بالقوة العسكرية في إخراجها من لبنان.
كما لا يمكن تجاهل أن "فخ أوسلو"، قد خلق بذور الانقسام الأولى في الساحة الفلسطينية، وسبب نفور أجزاء واسعة من الشعب الفلسطيني، وخصوصا في أوساط اللاجئين المقيمين في الخارج، وأضعف دور منظمة التحرير لمصلحة السلطة الناشئة والمحكومة باتفاق أوسلو.وعندما تجري اليوم محاولات خطيرة لتمرير ما يسمى "صفقة القرن"، وتصفية مكونات وحقوق الشعب الفلسطيني، فإن أكثر ما يفيد أعداءنا استمرار حالة الانقسام القائمة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وتعمد إسرائيل التفرد بغزة من جهة، والضفة من جهة أخرى.وما من شيء يمكن أن يساعد إسرائيل والحركة الصهيونية في تجاوز فشلها التاريخي في طرد الشعب الفلسطيني، واجتياز عقبة الديمغرافيا الفلسطينية، أو في نسف إمكانية قيام دولة فلسطينية حقيقية حرة ومستقلة، مثل فصل غزة عن الضفة الغربية وباقي فلسطين، وشطب مليوني فلسطيني من المعادلة الديمغرافية، لتسهيل فرص ابتلاع وتهويد الضفة الغربية.ورغم الوضوح الساطع لكل ما ذكر، فإن قنوات الإعلام والتلفزة، ووسائل التواصل الاجتماعي تكاد تختنق بحملات التشكيك والكراهية المتبادلة، وكأننا نشهد حرب "داحس والغبراء" مجددا بين القوى الفلسطينية، وذلك كله لن يفيد إلا أعداء الشعب الفلسطيني والحالمين بإلغاء حق الفلسطينيين في تمثيل أنفسهم وقضيتهم، وعلى رأسهم نتنياهو، الذي يجهد لعقد صفقات مع من هبّ ودبّ لتصفية القضية الفلسطينية. وما من أمر أشد ألما وحزنا، في حمى الصراعات الداخلية، من مشاهدة تراشق الاتهامات التي صارت تنال من كرامة أجزاء من الشعب الفلسطيني نفسه، وكأننا لم نعد شعباً واحداً يعاني الظلم نفسه والاحتلال ذاته، والاضطهاد العنصري نفسه أيضاً.قال لي مسؤلون دوليون ودبلوماسيون مرموقون، إن الجواب الأول الذي يقدمه المخادع نتنياهو لكل من يسأله عن تعطيل المفاوضات والاتفاقيات، وما يسمى عملية السلام، القول إن الفلسطينيين منقسمون ولا يوجد من يستطيع الحديث باسمهم جميعا.لم تعش القضية الفلسطينية وضعا أخطر مما نعيشه اليوم منذ عام 1948، ولم يعد هناك مجال لإضاعة الوقت، ومواصلة لعبة الانقسامات المتفاقمة والصراع على سلطة، بلاسلطة حقيقية، أو لتجاهل مطالب الشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة ومجابهة إسرائيل والعالم بقيادة وطنية موحدة.ولا يمكن حماية منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الجامع للفلسطينيين، وصون دورها كممثل شرعي وحيد لهم، إلا بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وجمع شمل جميع القوى في إطارها.والطريق إلى ذلك سهل إن صفيت النوايا وتغلبت المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والخاصة، وهو يتمثل بالتطبيق الفوري لثلاثة أمور مترابطة: تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مقاليد الأمور دون السماح لأحد بتعطيلها، وإعلان موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني حسب اتفاقات المصالحة، ودخول ممثلي كل القوى لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتلك هي الضمانة لتعزيز دورها الشعبي والتمثيلي، وقدرتها على مواجهة مؤامرة التصفية الكبرى التي يجري إعدادها في دهاليز الدسائس الدولية والإقليمية.ولا يظن أي طرف أن بمقدوره التفرد بقيادة الساحة الفلسطينية، أو أن الإغراءات والوعود التي تقدم على قاعدة تعميق الانقسام ليست سوى أفخاخ تنصب لتسهيل تصفية القضية الفلسطينية.لا يوجد سوى سبيل واحد لحماية القضية الفلسطينية، وصون دور منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة قدراتها، وهو طريق الوحدة الوطنية.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية