وهم التحالف الروسي-الصيني
تقيم الصين هذا الأسبوع حدثاً يدوم أسبوعاً ويُدعى معرض الصين الدولي للاستيراد في شنغهاي هدفه تشجيع التجارة، والتسويق للصين كسوق استيراد، وتوجيه رسالة مفادها أن الاقتصاد الصيني جاهز للعمل. يظهر دافع الصين وراء هذا الخطوة جلياً: تعتمد هذه الأمة على الصادرات، وقد حدت الرسوم الجمركية الأميركية الطلب على سلعها. في الخطاب الافتتاحي، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن الصين مستعدة لفتح أسواقها أكثر أمام التجارة الدولية مع الولايات المتحدة وسائر دول العالم. من الواضح أن ملاحظاته هذه موجهة إلى الولايات المتحدة استعدداً للقائه المرتقب مع ترامب في قمة مجموعة الدول العشرين في الأرجنتين في وقت لاحق هذا الشهر، لكن هذا المؤتمر أثار أيضاً أسئلة حول روابط الصين بدولة أخرى عانت بدورها انتكاسات في علاقتها مع الولايات المتحدة: روسيا. ذكر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في المعرض أن موسكو وبكين صارتا اليوم أقرب من أي وقت مضى، ووافقه الصينيون الرأي بحزم. لا شك أننا سمعنا الكثير عن ائتلاف روسي-صيني. ويشكل مهرجان شنغهاي هذا فرصة جيدة لتأمل عن كثب ما قد يعنيه ذلك.تواجه كل من الصين وروسيا مشكلات اقتصادية خطيرة تفاقمت بسبب الولايات المتحدة، وتنبع مشكلات روسيا من تراجع أسعار النفط، علماً أن هذا الأخير مورد يعتمد عليه الاقتصاد الروسي اعتماداً كبيراً.من المفترض في الظاهر أن تشكل مواجهة روسيا والصين خصماً قوياً مشتركاً أساس ائتلاف متين. يُعتبر كلا البلدين قوة عسكرية كبيرة، ولا بد أن كلا منهما يستطيع دعم الآخر اقتصادياً، لكن المظاهر خداعة. أما على الصعيد العسكري، فقد عزز البلدان تعاونهما في السنوات الأخيرة، فمنذ نهاية الحرب الباردة، كانت الصين المشتري الأكبر للأسلحة الروسية، وتشير وسائل الإعلام الروسية إلى أن بكين حصلت في شهر يوليو هذه السنة على نظام الدفاع الجوي إس-400 الروسي الصنع، بالإضافة إلى ذلك، شارك في التدريبات العسكرية الروسية الأكبر منذ الحرب الباردة، التي أُجريت في شهر سبتمبر، آلاف الجنود الصينيين. نتيجة ذلك، ظن كثيرون أن هذين البلدين يستعدان لبناء ائتلاف عسكري، لكن المشكلة تكمن في أن الائتلافات تُبنى على المصالح المشتركة وأن لروسيا والصين تاريخاً حافلاً بعدم الثقة المتبادل، كذلك لكل منهما أولويات استراتيجية مختلفة، فتواجه روسيا ما تعتبره ضغطاً كبيراً على طول حدودها الغربية وضغطاً أقل في الشرق الأوسط. في المقابل لا مصلحة للصين بتوسيع مواردها لحماية الردع الأوروبي الروسي. صحيح أن هاتين الدولتين تتشاركان في سادس أطول حدود دولية، لكن نشر الجنود والموارد غرب روسيا، حيث تقع المراكز السكانية الكبرى، يمثل كابوساً لوجستياً بالنسبة إلى الصين على أقل تقدير.
تواجه الصين في المقابل تحدياً من الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، حيث تسعى بكين إلى تفادي أي عرقلة محتملة في المستقبل لقدرتها على بلوغ خطوط النقل البحري بنشرها أصولها العسكرية والبحرية في جزرها الاصطناعية قبالة ساحلها الجنوبي الشرقي، لكن الولايات المتحدة تنفذ دوماً عمليات حرية الملاحة في مياه متنازع عليها في ذلك البحر كي تؤكد أن الحشد الصيني لن يمنع الآخرين من التنقل بحرية في المنطقة، وتطمئن حلفاءها في جنوب شرق آسيا. لا شك أن الصين تستطيع استخدام دعمها البحري هناك، وفي غرب المحيط الهادئ، إلا أن قدرة روسيا على ممارسة نفوذ بحري كبير في تلك المناطق تبقى محدودة. يملك الروس قاعدة بحرية في فلاديفوستوك، غير أنهم يعجزون عن بلوغ المحيط الهادئ بسهولة بسبب اليابان، فضلاً القوات الجوية الأميركية. من المؤكد أن حصار قاعدة فلاديفوستوك غير مرجح، ولكن من الضروري لأي عمل عسكري أن يأخذ في الاعتبار السيناريو الأسوأ، ومن الممكن أن تتحول فلاديفوستوك بسهولة إلى فخ للأسطول الروسي. قد يكون هذا الطرح مستبعداً، إلا أن الطريقة الوحيدة التي قد تنسق فيها روسيا والصين خطواتهما بغية تفادي المخاطر الكبرى التي تهددهما تقوم على تنفيذهما هجوماً متزامناً: روسيا ضد الغرب والصين ضد الأصول البحرية الأميركية في الشرق.صحيح أن الائتلاف الصيني-الروسي يبدو تدبيراً مضاداً منطقياً في وجه خصمهما المشترك، إلا أنه يبقى مجرد وهم، فلا تستطيع كل الخطوات الودية في شنغهاي إخفاء واقع أن روسيا والصين لا تستطيعان مساعدة إحداهما الأخرى في الخروج من مشاكلهما الاقتصادية والاستراتيجية الخطيرة، فهذا ائتلاف فاعل على الورق في أفضل الأحوال.* جورج فريدمان* جيوبوليتيكال فيوتشرز