الشتاء العربي القادم
ربما اتبعت دول الخليج العربية نصيحة وزير الدفاع الأميركي السابق أشتون كارتر، حين نصحهم بتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وأن يعتمدوا على قواهم لمواجهة النفوذ الإيراني المتمدد في المنطقة، (الأتلانتيك 3 نوفمبر)، وهذا ما تحاول صنعه هذه الدول تقريباً على طريقتها الخاصة، ويظهر واضحاً أن فهم نصيحة أشتون أخذ أبعاداً سياسية غير صحية لهذه الدول ولدول المنطقة العربية بصفة عامة، تمثلت في تبني مبادرات خطرة في سياساتها الداخلية والخارجية، بحجة الأمن والاستقرار والتنمية والقضاء على التطرف.فهناك قناعة عند هذه الدول، التي أصبحت في مركز القوة، للقرار العربي اليوم، بعد ما كانت دول الجمهوريات، مثل مصر وسورية والعراق، هي دول المركز، تعتقد بيقين أن الربيع العربي، الذي أشعل شرارة الديمقراطية ما كان ليحدث لو كانت الأنظمة التي أطاحت بها ثورات الربيع أكثر استبدادية وتسلطاً، فحسني مبارك لو لم يكن "متساهلاً" بعض الشيء مع الإخوان المسلمين لما وصلوا إلى الحكم، وعلى ذلك وحتى لا يعود هذا الربيع لابد من المزيد من السلطوية، وبهذه القناعة يقرر كاتب مقال "الأتلانتيك" بأن الدول العربية أصبحت أكثر بعداً عن تطلعات شعوبها في الديمقراطية والحرية من أي زمن مضى، وأصبح القرار السياسي أكثر مركزية ومحدداً عند أفراد قلة، وزادت الرقابة والمنع على الإعلام، وزاد قبلها القمع السياسي ليس للمعارضين فقط، وإنما لكل من يختلف مع هذه الأنظمة برؤيته السياسية.
بالنسبة للولايات المتحدة، ضحت إدارة ترامب بالقليل الباقي من القيم الأخلاقية في سياستها بالمنطقة العربية (طبيعي هناك اعتراض قديم مشروع من اليسار بأن القيم الأخلاقية لم تكن يوماً موجودة في السياسة الخارجية لهذه الدولة ونهوضها كأكبر وأقوى إمبريالية في العالم بعد الحرب الثانية)، فهذه الإدارة نقلت سفارتها للقدس، وفعلت ما لم تفعل إدارات سابقة، وفي سبيل تحقيق أقصى مصلحة مادية للاقتصاد الأميركي بفهم انتهازي لمشروع "أميركا أولاً" تركت دول المنطقة العربية تفعل ما تشاء دون أي ضابط وقيد لها، كي نصل إلى أوضاع مأساوية في اليمن، وليبيا، وسورية.في مقال "الأتلانتيك"، يقرر كاتبه أن شتاء عربياً قادماً في مثل هذه الظروف، فالإمعان في السياسات القمعية للدول العربية سيعني المزيد من نمو قوى التطرف والإرهاب في أراضيها، وإذا فشلت هذه الأنظمة في إدارة أمورها فستكون النتائج أوضاعاً شبيهة باليمن وسورية اليوم... هل يفترض أن نقلق من هذا المستقبل؟ أم نترك الأمور لفلسفة "خل القرعة ترعى"؟ ونهلل لكل أنظمة الاستبداد بحجة أن البديل مرعب وأكثر سوداوية من واقع الحال، ونظل نراوح مكاننا في هذا المستنقع إلى ما شاء الله!