بدا قبل بضعة أشهر أن كابوس ليبيا الطويل من الفوضى، الذي أطلقه التدخل "الإنساني" بقيادة الولايات المتحدة في عام 2011، قد شارف على نهايته أخيراً، فقد التزمت الفصائل السياسية والميليشيات السياسية المتخاصمة، ولو جزئياً، بوقف لإطلاق النار، مما ساهم في تراجع وتيرة العنف، كذلك كان من المقرر عقد انتخابات في مطلع شهر ديسمبر بغية اختيار حكومة جديدة تمارس سلطتها على البلد بأكمله، ولكن مرة أخرى تبدد التفاؤل، فلم تُعقد الانتخابات الآن حتى مطلع الربيع، هذا إن عُقد أساساً.بما أن لاعبين عدة يطمحون للهيمنة على ليبيا فلا عجب في أن الصراع ما زال مستمراً، إلا أننا شهدنا بعض التطورات المشجعة في عامَي 2017 و2018، فقد سهّل ماكرون توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الفصائل الليبية المتقاتلة في لقاء خارج باريس في شهر يوليو عام 2017.
ساد بعيد ذلك مقدار كبير من عدم اليقين بشأن ما إذا كان هدف ديسمبر سيصمد، وجاءت تلك الشكوك في محلها، فلم تكن هذه أول مرة تتحطم فيها الآمال، فضم وقف إطلاق النار في شهر يوليو عام 2017 بنداً وعد بإجراء الانتخابات في مطلع عام 2018، ومن الواضح أن هذا لم يحدث.زعموا أن محاولة تسهيل الاقتراع في البيئة المتجزئة والمتقلبة الحالية يجعل الناخب عرضة للترهيب، فضلاً عن إمكان ملء صناديق الاقتراع بأوراق زائفة وغيرها من أساليب الغش، ولا شك أن الخاسرين سيرفضون نتيجة انتخابات مماثلة، وربما أي انتخابات لا يفوزون فيها، ونتيجة لذلك ستقود هذه العملية على الأرجح إلى استئناف القتال الشامل، وهكذا تبدو ليبيا في هذه المرحلة أسوأ حالاً مما كانت عليه منذ الثورة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011 بهدف الإطاحة بالحاكم المستبد معمر القذافي.حتى لو تمكنت ليبيا من تفادي انهيار مماثل، ما زال هذا البلد بعيداً كل البعد عن أن يصبح ديمقراطية فاعلة، فلم يعرب حفتر ولا خصومه عن التزام كبير بالأعراف الديمقراطية.حفتر شخصية مريبة خصوصاً أنه يُعتبر من أصول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابقة، فكان يعيش سابقا على بعد كيلومترات قليلة عن مقر الوكالة في لانغلي في فرجينيا، وقد دعمته الولايات المتحدة مالياً ولوجستياً في الانقلاب الفاشل الذي نفذه عام 1988 ضد القذافي، ولكن رغم روابط حفتر السابقة بوكالة الاستخبارات المركزية، ما عاد المسؤولون الأميركيون خلال عهد أوباما يصنفونه على ما يبدو من الأصول المهمة، بل اعتبروه عقبة أمام سياسة واشنطن بشأن ليبيا عموماً.مع أن حفتر كان راسخاً في مواقفه ضد الإسلاميين ومع أنه يقود مجموعة كبيرة من المقاتلين المسلحين، يعتبر صانعو السياسات الأميركيون أعماله مقسّمة على نحو خطير وتعود في المقام الأول إلى سعيه إلى المجد الشخصي. وبدل دعم حفتر ومقاتليه، ربطت إدارة أوباما مصالح الولايات المتحدة، في مطلق الأحوال، بما يُعرف بحكومة الوفاق الوطني، وهي أحد الفصائل الأخرى التي تسعى إلى السيطرة على ليبيا، وما من أدلة تشير إلى أن إدارة ترامب تتبنى مقاربة مختلفة.يصر حفتر على أن هدفه دفع العملية الديمقراطية في ليبيا قدماً وتعطيل العوامل المتطرفة، فسبق أن دعا لعقد الانتخابات في عام 2018 وتوصل أخيراً إلى اتفاق في هذا الصدد، لكن خصومه يشيرون إلى نهجه المستبد والسلوك العنيف عموماً للقوات العسكرية التي يقودها، ويخشون أن يكون هدف حفتر الفعلي تأسيس حكم شخصي مستبد.لا شك أن نقطة واحدة صارت جلية اليوم: إذا أردنا أن يتحسن الوضع في ليبيا بشكل دائم، يجب أن يكون هذا التحسّن وليد خطوات أكثر تعقلاً على الفصائل الليبية المختلفة تبنيها هي بنفسها، ويجب أن تكون الديمقراطية والاستقرار، إذا حلا في ليبيا يوماً ما، نتاج مشروع مجهود ذاتي، إذ تبرهن الفوضى التي ساهمت القوى الغربية في نشرها بسبب تدخلها غير المدروس أن اللاعبين الخارجيين، حتى لو كانت نواياهم حسنة، يعجزون عن فرض القيم والمؤسسات الضرورية لبسط الاستقرار أو الديمقراطية، لذلك قد يتبيّن أن التفاؤل بشأن اتفاق الانتخابات الجديد في غير محله تماماً مثل آمال التقدّم السابقة.* تيد كاربنتر*«أميركان كونسورفاتيف»
مقالات - اضافات
فجر زائف آخر في ليبيا؟
16-11-2018