اشتباك غزة... لعبة سياسية!
نتمنى فعلاً أنّ كل ما يقال عن الانتصارات، التي حققتها حركة "حماس" على الإسرائيليين في اشتباكات قطاع غزة، صحيح وفعلي، وأن استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من حكومة بنيامين نتنياهو قد جاءت نتيجة هذه الانتصارات. لكن إذا أردنا قول الحقيقة فإن الأمور بصراحة ليست هكذا، وإنّ هذه المواجهة أُريد لها، من قبل الطرفين، أن تكون هناك سيطرة عليها، وأن تكون محدودة، وأن كل طرف كانت له حساباته الخاصة، التي لا علاقة لها بكل ما قيل ولا يزال يقال!فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سئم الشراكة مع ليبرمان، بينما أصبحت هناك بالنسبة إليه ضرورة لانتخابات برلمانية جديدة، أراد هذه المواجهة المحدودة ليعزز مكانته فيها، وليصبح قادراً على تشكيل حكومة جديدة بدون هذا الشريك المتعب الذي هو بدوره قد بادر إلى الاستقالة، بحجة أن نتنياهو قد قبل بوقف إطلاق النار وأعطى حركة "حماس" انتصاراً مجانياً في هذا الاشتباك العسكري!
أمّا بالنسبة لحركة "حماس" فإنها قد لجأت إلى التصعيد بعد حادث، كان بالإمكان "لفلفته" وتطويقه كالعادة، ومن دون أن تأخذ الأمور المسار الذي اتخذته، فلأنها كانت بحاجة إلى الرد على كل ما قاله محمود عباس (أبومازن)، وقالته حركة "فتح" ومنظمة التحرير عن الأموال التي وصلت إليها "نقداً" بقيمة 15 مليون دولار، ولأنها أيضاً أرادت أن تظهر أنها ذاهبة إلى "التهدئة" مع إسرائيل وإلى "صفقة القرن"، كما يقال، وهي تقاتل. كل هذا بينما "الآخرون" -أي الرئيس الفلسطيني ومن معه- قد أوقفوا العمل المسلح نهائياً وأنهم بقوا يفاوضون من موقع الضعف والاستسلام!وعليه، وبعيداً عن "المزايدات"، فإن اشتباك غزة الأخير، كان مسرحية متقنة، والدليل هو أن الإسرائيليين قبل كل وجبة قصف كان يتصلون هاتفياً بالمدنيين الذين في دائرة هذا القصف ويطلبون منهم المغادرة، خلال مهلة محددة، وذلك بينما انتظرت "حماس" مغادرة نحو خمسين عسكرياً إسرائيلياً لحافلتهم حتى توجه صواريخها إلى هذه الحافلة وتقتل سائقها فقط.وهكذا، فإن الذي دفع الثمن الحقيقي هم أهل قطاع غزة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي قد بالغ كثيراً في قصف العديد من الأهداف المدنية، ومن بينها مبنى تلفزيون "الأقصى" التابع لحركة "حماس"، لأنه ذاهب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وليبرمان بدوره قد بالغ كثيراً في اتهام بنيامين نتنياهو بالتقصير في هذا الاشتباك، وبأنه أعطى "الفلسطينيين" انتصاراً مجانياً، لأنه أراد تعزيز مكانته ومكانة حزبه في هذه الانتخابات، ولأنه "يحلم" بأن يصبح هو رئيس وزراء الدولة الإسرائيلية.