نشأ المخرج المسرحي اللبناني نبيل الأظن في بيروت في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين عندما كانت العاصمة اللبنانية في قمة ازدهارها الثقافي والفني، ومساحة تفاعل بين الحضارات واللغات وانفتاح على الشرق والغرب، فانطبع ذلك كله في شخصيته التي كانت في طور التكوين آنذاك، واكتسب أسساً فكرية عميقة.

لكن بيروت الفكر والثقافة والفن انقلبت رأساً على عقب في أواسط سبعينيات القرن الماضي وتحوَّلت بفعل الحرب من وجه مشعّ إلى كتلة شوَّهتها النيران، فاضطر الشاب نبيل الأظن إلى الهجرة إلى باريس هرباً من ضجيج المدافع، وهناك لم ينسَ وطنه لبنان بل قدَّم في أكثر من مناسبة مسرحيات مقتبسة من كتّاب لبنانيين من أمثال جورج شحادة وغيره...

Ad

بعد تخرّجه في جامعة السوربون في باريس في الدراسات المسرحية، أسس فرقة «البركة» وقدَّم معها نصوصاً بالفرنسية لكتاب عالميين مثل هارولد بنتر وتينسي وليامز.

عندما حطّت الحرب أوزارها في تسعينيات القرن الماضي، عاد نبيل الأظن إلى مدينته التي يعشقها بيروت، وراح يتنقل بينها وبين باريس، وتابع قضاياها الثقافية والفكرية، ومع انطلاق ورشة إعادة إعمار العاصمة اللبنانية، نظم نشاطات عدة دفاعاً عن آثارها ووجهها الحضاري ومعالمها الثقافية مثل «التياترو الكبير» الذي استقطب في أوائل القرن العشرين فنانين من العالمين العربي والأجنبي. لهذه الغاية، قدَّم عام 1999 مسرحية «لوعة حب» لجورج شحادة في الذكرى العاشرة لوفاته في التياترو الكبير المهدم.

مهرجانات ومسرحة الشعر

لم تقتصر أنشطة نبيل الأظن في لبنان على بيروت، بل شارك في مهرجانات بيت الدين من خلال وضع لمساته الفنية والشعرية لمعرض جمعه مع الفنانة الفرنسية سيبال فريديل، كذلك شارك في «مهرجانات بعلبك الدولية» عام 2004 من خلال تقديم مسرحية «مهاجر بريسبان» لجورج شحادة.

وكانت له تجارب في فرنسا في مسرحة مختارات شعرية في إطار لقاءات وزارة الثقافة الفرنسية التي تهدف إلى مد جسور ثقافية بين فرنسا والعالم العربي، وترجم كتاب «عين السراب» للشاعر اللبناني عيسى مخلوف إلى الفرنسية وقدمه إلى الجمهور الفرنسي من خلال أمسية أدبية وموسيقية في العاصمة الفرنسية. كذلك ألف كتاب «مي عريضة حلم بعلبك» (منشورات المجلة الفينيقية) بالفرنسية، يتمحور حول سيرة رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية.

المخرج نبيل الأظن حائز جوائز رفيعة من بينها ميدالية الآداب والفنون من وزارة الثقافة الفرنسية، وجائزة المنتدى الثقافي في باريس عام 2007.

بين بيروت وباريس

شغلت نبيل الأظن قضايا الصراع بين اللغة الأم ولغة الآخر والحوار والهجرة والحرب والنزوح. في هذا السياق، قدَّم بين باريس وبيروت مسرحيات عدة من بينها: «مهاجر بريسبان» لجورج شحادة. «عقد هيلن» استخدم فيها الفرنسية والإنكليزية والعربية، واقتبست المسرحية في اليابان، وكندا، وسويسرا، وأيسلندا، ولبنان، وسورية. «عشية العرض العام» لكلير بيشي. «الأمية» (مونودراما مسرحية)، تأليف الكاتبة المجرية الأصل آغوتا كريستوف، أداء الممثلة الفرنسية كاترين سالفيا.

«أحدهم سوف يأتي» للكاتب السويدي يان فوس، شكلت تجربة فريدة في مسيرة نبيل الأظن المسرحية، يقول حولها: «عملنا مع الممثلين على موسيقى الكلمات وتركت المسرح عارياً مع إضاءة متلائمة ونهج خالص. الصمت في العمل كما الكلام معبر».

يضيف: «تنتمي المسرحية إلى نوع الدراما البورجوازية، لكن شيئاً فشيئاً يدخلنا الكاتب من خلالها إلى عمق الكائن لتصور بعيداً عن اللغة البورجوازية في قالب وجودي قصة متحابين يشتريان بيتا في الريف في محاولة لتكوين يوتوبيا الوجود المنعزل».

عام 2010 جسد روائع «ألف ليلة وليلة» على مسرح جامعة «النجاح الوطنية» في القدس باستخدام الموسيقى والغناء والحكواتي والسيرك بمشاركة 30 فناناً وفنانة من سبع دول.

عام 2010 قدَّم على خشبة مسرح «بابل» في بيروت مسرحية «فيفا لا ديفا» من تأليف الكاتبة هدى بركات وبطولة الممثلة رندا الأسمر.