عمان والكويت... روابط وشيجة مهما طال الزمن
عمان اليوم تختلف كليا عن عمان الأمس، فالتطورات التي حدثت في السلطنة منذ تولى السلطان قابوس بن سعيد الحكم فيها في اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو لسنة 1970م كثيرة وكبيرة، ولقد تسارعت فيها الأعمال في مختلف المجالات واتسعت الخدمات الخاصة بالصحة والتعليم إضافة إلى الاهتمام بزيادة الناتج القومي عن طريق العناية بالزراعة والاستثمار المالي والاستفادة من مجالات السياحة وغير ذلك.ولقد حرصت سلطنة عمان على أن تكون منفتحة على دول الخليج بصفة خاصة، ولا سيما بعد الخطوات الكثيرة التي تمت بين هذه الدول في سبيل توحيد الصف وتقريب الكلمة، وأبرز محطات العلاقات العمانية الكويتية الرحلة التي قام بها سمو الشيخ سعد العبدالله في أواخر سنة 1978، وكان ولياً للعهد رئيسا لمجلس الوزراء الكويتي، إذ كانت رحلة ذات نتائج مدهشة عبرت تعبيراً صادقاً عن طبيعة الروابط التي تجمع الأسرة الخليجية. وقد كانت عمان ضمن الدول التي زارها الشيخ في رحلته هذه، وصدر عنها بيان ختامي أشار إلى أن الطرفين الكويتي والعماني استعرضا الأوضاع الخليجية، وعبرا عن الحاجة إلى تحرك سريع تتضافر فيه الجهود من أجل الوصول بالمنطقة إلى وحدة تحتمها الروابط الدينية والقومية، وتحوم حولها أماني الشعوب في التقدم والرفاهية، وكانت تلك البداية ولم ولن نصل إلى نهاية.
فالعلاقات العمانية الكويتية تمكنت ومنذ سنوات طويلة أن تتجاوز الطابع التقليدي للعلاقات بين الدول الشقيقة لتنطلق بفضل الرعاية السامية الكريمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وأخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة هذه العلاقات وبفضل الإرادة المشتركة والمتبادلة لتطويرها وتنميتها لتتواكب مع ما يجمع بين جلالة السلطان المعظم وأخيه سمو أمير دولة الكويت من روابط عميقة ومن اعتزاز وتقدير وود دائم ومتواصل، يمتد بتأثيراته الطيبة والملموسة الى كل جوانب ومستويات العلاقات بين الدولتين والشعبين العماني والكويتي الشقيقين.وكانت زيارة صاحب السمو أمير الكويت العام الفائت تتويجاً للعلاقات الأخوية المتينة والروابط الوثيقة والوشائج العميقة التي تربط بين الدولتين والشعبين الشقيقين العماني والكويتي، على كل المستويات الرسمية والشعبية، وفي كل المجالات، وتسير العلاقات والتعاون بين السلطنة ودولة الكويت الشقيقة بخطى متتابعة وملموسة نحو الغايات المرسومة لها سواء على المستوى الثنائي أو في إطار التعاون بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث تحرص القيادتان الحكيمتان في البلدين على دفعها وتوسيع آفاقها، ودعم خطاها لتتمكن من ترجمة ما يجمع بين الدولتين والشعبين الشقيقين من روابط ومصالح مشتركة ومتبادلة.وإلى جانب الأسس والركائز المتينة للعلاقات العمانية الكويتية التي تجعل منها نموذجا يحتذى على صعيد العلاقات بين الأشقاء، فإن زيارة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت للسلطنة، ومحادثات سموه مع أخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم– حفظهما الله ورعاهما– تتناول مختلف الموضوعات والأمور التي تهم الدولتين والشعبين الشقيقين، وما تمر به وتتعرض له المنطقة من تطورات، تطرح تأثيراتها على أوضاع المنطقة وعلى حاضر ومستقبل عدد من الدول الشقيقة، ومن ثم المنطقة ككل، نظراً للترابط الوثيق بين دول وشعوب المنطقة وبين مصالحها وأمنها وسلامتها وازدهارها في الحاضر والمستقبل أيضا. وما يزيد من أهمية العلاقات بين البلدين أن جلالة السلطان المعظم وسمو أمير دولة الكويت الشقيقة متفقان في إيمانهما العميق بالسلام وبضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية وعبر الحوار البناء والالتزام الواضح والقوي بأسس وقواعد التعامل الدولي وفي مقدمتها حسن الجوار، والتعاون بحسن نية لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت أي ظروف أو مبررات لتتمكن دول وشعوب المنطقة جميعها من بناء حياتها وحاضرها ومستقبلها وفق ما تراه مناسبا لها، وحسب خياراتها الحرة. ونظرا لأن هذه مبادئ وأسس لا خلاف عليها، وتؤيدها كل الشعوب والمواثيق الدولية والاقليمية، فإن ترجمتها إلى خطوات عملية ملموسة في علاقات دول المنطقة جميعها، من شأنه أن يسهم في التقريب بينها وتيسير التوصل إلى توافق فيما بينها حول مختلف القضايا والتطورات، سواء القائمة أو المحتملة، ومن ثم تحقيق مصالحها المشتركة والمتبادلة وزيادة قدرتها الفردية والجماعية لمواجهة أي مخاطر أو تهديدات قائمة أو محتملة بفعل ما يجري في المنطقة ومن حولها من تطورات وتغيرات لابد أن يضعها الجميع في اعتباره.ويحظى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وأخوه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح– حفظهما الله ورعاهما– بتقدير إقليمي ودولي كبيرين، وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية، وهو ما يضفي أهمية متزايدة على رؤيتهما، وعلى جهودهما ومساعيهما الخيرة، التي تحرص دوما على كل ما يعود بالخير ويعزز فرص السلام والأمن والاستقرار والتقارب بين دول وشعوب المنطقة. ولا بد من التذكير في هذا المجال بمنح المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدَّولي الذي يتَّخذ من العاصمة النرويجية "أوسلو" مقرّا له جائزة الإنسان العربي الدوليَّة لعام 2016 م لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم– حفظه الله ورعاه– تقديرا لجهود جلالته العظيمة، وإسهاماته النبيلة في مجال حماية ودعم وتعزيز حقوق الإنسان محليّا وعربيا ودوليا.ومن المعروف أيضا أن الأمم المتحدة قامت من خلال الأمين العام السابق "بان كي مون" بتكريم صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت باعتباره "قائد العمل الإنساني" في التاسع من سبتمبر عام 2014م، تقديرا لجهود سموه وإسهامه في العمل الإنساني ودعمه المتواصل للعمل الإنساني لمنظمة الأمم المتحدة وتقديم الكثير من المساعدات للعديد من الدول التي تتعرض لكوارث إنسانية أو طبيعية أو تعاني مشكلات اللاجئين والنازحين والمشكلات المترتبة على الحروب، بغض النظر عن أي اعتبارات جغرافية أو إثنية أو دينية أو سياسية لهذه الدول أو الشعوب التي تتعرض لمحن أو مشكلات، وهو ما حظي بإشادة دولية واسعة من داخل الأمم المتحدة وخارجها وتواصل الكويت الشقيقة جهودها في هذا المجال بوسائل متعددة، بما في ذلك رئاسة المؤتمر الدولي الأول والثاني للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية عامي 2013 م و2014 م، وقد استفاد العديد من الدول العربية والإسلامية والأجنبية من هذه المساعدات الإنسانية التي ساندت جهود الأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم. إن العلاقات العمانية الكويتية سارت بخطى وثيقة ومتتابعة ومتجاوبة بشكل متزايد مع تطلعات الدولتين والشعبين العماني والكويتي الشقيقين، مستمدة المزيد من القوة والقدرة على الانطلاق نحو آفاق أرحب من دعم ورعاية جلالة السلطان المعظم وأخيه سمو أمير دولة الكويت الشقيقة لهذه العلاقات بشكل دائم ومتواصل. أما فيما يخص التبادل التجاري بين السلطنة ودولة الكويت فإن اللجنة العمانية الكويتية المشتركة تقوم بجهود متعددة لدفع وتوسيع نطاق التعاون بين الدولتين الشقيقتين في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والتعليم والبحث العلمي والشباب والخدمة المدنية والبيئة وغيرها من المجالات التنموية المختلفة، حيث توجد العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين التي تم توقيعها على مدى السنوات الماضية، كما يقوم القطاع الخاص الكويتي والعماني بدور متزايد لدعم سبل ومجالات الاستثمار بين البلدين، لا سيما في المجالات التجارية والعقارية وغيرها، وتظل هناك العديد من المجالات والفرص الواعدة لتوسيع وتعميق مجالات التعاون والاستثمار المتبادل وتعزيز التعاون المثمر بين الدولتين والشعبين الشقيقين لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لهما، بما يعود بالخير أيضا على دول وشعوب المنطقة.* سفير سلطنة عُمان الشقيقة