استخلاصات ثمينة من معركة غزة
مواجهة غزة العسكرية الأخيرة كانت حافلة بالمعاني والدروس والاستخلاصات الثمينة، أهمها أن النضال يوحد الفلسطينيين، ويقوي معنوياتهم، ويمنحهم شعورا عظيما بالأمل والثقة بالنفس، على عكس ما يخلقه الصراع على السلطة من انقسام وشعور بائس بالإحباط واليأس.
مع أن مواجهة غزة العسكرية الأخيرة لم تدم إلا ثمانيا وأربعين ساعة، فإنها كانت حافلة بالمعاني، والدروس، والاستخلاصات الثمينة. الاستخلاص الأول، يتمثل بالجمع الناتج الذي تحقق بين المقاومة الشعبية، التي تجلت في مسيرات العودة كوسيلة هجومية لتغيير ميزان القوى، وكسر الحصار، وبين المقاومة المسلحة كوسيلة دفاعية فعالة لا غنى عنها لردع القوة العسكرية الضخمة للاحتلال الإسرائيلي.الاستخلاص الثاني، محدودية الخيارات العسكرية السياسية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، بفضل صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني وقدرة الردع القائمة لديه، وقد امتلأت الصحف الإسرائيلية بالمقالات التي تشرح عدم جدوى القيام بحرب شاملة على قطاع غزة تنتهي بإعادة احتلاله، لأن ذلك سيكلف الجيش الإسرائيلي خسائر بالآلاف، لا تستطيع القيادة السياسية وقيادة الجيش احتمالها، ولأن إعادة احتلال القطاع لن تخلق إلا مزيدا من المقاومة، التي قد تكون أشرس، وسينتهي الأمر بالجيش الإسرائيلي إلى ترك القطاع.
الاستخلاص الثالث، أنه قد تأكد مرة أخرى أن إحدى أهم نقاط ضعف المنظومة الإسرائيلية هي الحساسية الشديدة للخسائر البشرية، فهي مستعدة أن توقع في صفوف الفلسطينيين آلاف القتلى دون أن يرمش لها جفن، لكنها لا تحتمل أن تخسر ولو بضع عشرات في أي مواجهة. وتضاف إلى ذلك نقطة الضعف الثانية، وهي الحساسية الشديدة للخسائر الاقتصادية، وقد شعرت إسرائيل بتأثيرها في المواجهة الأخيرة، إذ خسرت ملايين الدولارات بسبب هروب مجموعات هائلة من السياح، وإلغاء حجوزات سياحية، وتعطيل العمل في مواقع كثيرة، بالإضافة إلى تغيير مسار الطائرات في مطار اللد، ولم تكن مصادفة أن استطلاعات الرأي كشفت أن غالبية الإسرائيليين اعتبروا أن الفلسطينيين هم الذين فازوا في المواجهة الأخيرة.الاستخلاص الرابع، أن مسيرة العودة وكسر الحصار والمواجهة الأخيرة، ومعركة الخان الأحمر، وقبلها هبّة القدس قد أكدت صحة الاستراتيجية البديلة للمفاوضات الفاشلة، والتي تركز على تغيير ميزان القوى مع إسرائيل والحركة الصهيونية، والتي تجدد التذكير بمقولة "إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، فما من شيء سيتغير إلا بتغيير ميزان القوى. الاستخلاص الخامس، عدم جواز التخلي عن اليقظة للحظة واحدة، فما أثبتته الأحداث، أن حكام إسرائيل لا يقيمون وزنا لمعاهدات أو اتفاقيات أو تهدئة، وما كان غدرهم وخرقهم للتهدئة الأخيرة، إلا نموذجا لما سيقومون به في المستقبل، وهم أيضا يعكفون الآن على استخلاص العبر واستنباط الدروس، ودراسة نقاط القوة والضعف، وإن كانت هناك تهدئة فلن تكون سوى محطة عابرة في صراع مفتوح لن يُحَل إلا بإنهاء الاحتلال، وإسقاط منظومة التمييز والفصل العنصري الإسرائيلية. الاستخلاص السادس، أن النضال والنجاح فيه يوحد الفلسطينيين، ويقوي معنوياتهم، ويمنحهم شعورا عظيما بالأمل والثقة بالنفس، على عكس ما يخلقه الصراع على السلطة من انقسام وشعور بائس بالإحباط واليأس. أما الاستنتاج السابع والأهم، فهو أن قوتنا في وحدتنا وضعفنا في انقسامنا، وأملنا أن يصل هذا الوعي إلى عقول الجميع، وأن يترجم إلى تطبيق فعلي وسريع.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية