الموروث الثقافي الخليجي وأثره في النظرة المجتمعية للمرأة
المرأة الخليجية تؤدي دوراً بارزاً في المجتمع اليوم، وتشارك بفعالية واقتدار في كل المجالات التنموية، وتقلدت مناصب قيادية، فصارت وزيرة ومديرة للجامعة وعميدة وقاضية ومحامية وسفيرة، وتغير المجتمع الخليجي وأصبح يتقبل مشاركة المرأة في الحياة العامة، ويقدر جهدها، كما تطور المجتمع الخليجي: سياسياً واجتماعياً وتعليمياً وإعلاميا وثقافياً واقتصادياً. والتساؤلان المطروحان اليوم: هل تغيرت نظرة المجتمع الخليجي للمرأة؟ وهل تطورت التشريعات الخليجية بما ينصف المرأة، ويزيل ممارسة التمييز ضدها؟في تصوري أنه بالرغم من تغير المجتمع الخليجي، بفعل المتغيرات الخارجية الضاغطة، وقوة روح ومنطق العصر، والمد العولمي، وارتفاع وعي الرأي العام الخليجي، وتدخل القيادات السياسية الخليجية عبر خطط تمكين المرأة، وتأثير المنظمات الحقوقية الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان، فإن كل ذلك لم يفلح في تغيير نظرة المجتمع الخليجي للمرأة، ولم تتغير التشريعات الخليجية المتعلقة بها، لكونها مواطنة لها كل الحقوق التي للرجل، لا يزال المجتمع الخليجي محكوماً بموروث ثقافي اجتماعي ديني ماضوي، ومازالت التشريعات الخليجية (الأحوال الشخصية وقانون الطفل وقانون الجنسية) أسيرة لاجتهادات فقهية ناسبت مجتمعات تاريخية، لم تكن المرأة فيها تمارس دوراً مذكوراً.ما هذا الموروث الثقافي الاجتماعي؟ وما مصادره؟
الموروث الثقافي الخليجي، جزء من الموروث الثقافي العربي العام، ومن المعروف، أنه عندما نزل الإسلام على العرب، لم ينزل على مجتمع جاهلي معزول عن المجتمعات الأخرى، بل كان على تماس مستمر مع الحضارتين الفارسية والرومانية، كان المجتمع الجاهلي مجتمعاً ثقافياً حيوياً، تغذيه 3 روافد ثقافية رئيسة: 1- الإرث الثقافي لبلاد ما بين النهرين: البابلي والسومري والآشوري، الذي يرجع إلى 2000 سنة قبل الميلاد. 2- الإرث الثقافي العبراني: اليهودي والمسيحي، والذي يرجع إلى 1500 سنة قبل الميلاد. 3- الإرث الثقافي الجاهلي: الأعراف والعادات والتقاليد السائدة لعرب ما قبل الإسلام. القاسم المشترك بين هذه الروافد الثقافية، أمران محوريان:الأول: الرؤية الدونية للمرأة، والحط من قدرها، وسوء الظن بها، واعتبارها كالصبي ناقصة عقل، ومصدراً لكل الشرور.الثاني: النظرة الأعلوية للرجل، واعتباره السيد والمالك الذي يمارس على زوجته وأبنائه سلطة مطلقة، فالزوج في الموروث السامي هو البعل، والبعل هو الإله عند الكنعانيين والفينيقيين، وقد برر القديس بولس هذه الوضعية، بقوله "ما خلق الله الرجل من أجل المرأة، بل خلق المرأة من أجل الرجل". لقد كانت هذه الوضعية الدونية للمرأة أمراً طبيعياً مقبولاً ومعقولاً لدى المجتمعات السامية خاصة، والمجتمعات القديمة عامة، يقول القديس أوغسطين "إنه من طبيعة الأشياء عند البشر أن تخضع النساء للرجال، والأطفال للآباء، لأنه من العدل أن يخضع العقل الأضعف للعقل الأقوى".لذلك، عندما جاء الإسلام بتعاليمه المنصفة للمرأة، وأعطاها حقوقاً لم تكن لها، كان ذلك بمثابة ثورة إصلاحية كبيرة في ذلك المجتمع المتظالم، ومن هنا نفهم سبب اعتراض بعضهم، لما نزلت آيات أعطت المرأة نصيباً في الميراث: كيف نورث المرأة، وهي لم تركب فرساً ولم تأت بالمغنم؟لكن فعالية هذه التعاليم السامية (إنصاف المرأة والمهمشين، والحكم الشوري) لم تستمر طويلاً، لأن الأرضيّة الاجتماعية كانت موبوءة بآفات ثقافية تزدري المرأة، وتأكل مال اليتيم، وتهضم حقوق من لا ظهر له، وتقدّس القوة والغلبة، وسرعان ما أطلت العناصر السلبية القديمة برأسها. نرصد إرهاصاتها المبكرة، في ذلك الحديث الذي روته كتب الحديث، أن ابن عمر روى حديث "لا تمنعوا النساء من المساجد بالليل"، اعترض ابن له قائلاً: "والله لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً (حيلة للخروج) فسبه وغضب". تلك بدايات الثقافة المتحاملة على المرأة، ورثتها مجتمعاتنا، عبر الكتب التراثية والخطب والفتاوى والتعليم والتربية، وجاءت التشريعات الخليجية، لتعكس هذه الثقافة التمييزية تجاه المرأة، وبخاصة قانون الجنسية، الذي حرم المواطنة المتزوجة من غير المواطن من نقل جنسيتها لأولادها، وهو ظلم تشريعي شاذ بين التشريعات الإنسانية، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الذي يحرم الأم المطلقة من حضانة أطفالها، إذا تزوجت.ختاماً: نحن بحاجة، اليوم، إلى تغيير نظرتنا إلى المرأة، كونها مواطنة، وإلى تشريعات تتوافق والتحولات المجتمعية، وتتلاءم مع روح العصر وقيمه الداعمة لإعلاء حقوق الإنسان، بغض النظر عن جنسه وأصله ومعتقده، في إطار من المقاصد العامة للإسلام وثوابته.* كاتب قطري