أنا أحب مصر وأدين للمصريين الذين علموني مند المرحلة المتوسطة حتى التخرج من جامعة القاهرة، وكانت فترة الدراسة هي فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي امتلك قلوبنا وجوارحنا، ونال احترامنا ليس في الكويت فقط إنما في كل أنحاء العالم، ونمّى إحساسا عند العرب بالاعتزاز والفخر، فكنا لا نتردد عن أي عمل نبيل يساند مصر وشعبها، وكان بالنسبة إلي فرصة للتعبير عن الامتنان لما حصلت عليه من تعليم على يد الأساتذة المصريين ودعماً لما مثّله الزعيم الراحل من مُثل في خدمة قضايا التحرر والوحدة العربية. وامتناني ممتد لأساتذتي الفلسطينيين الذين قدموا نماذج التعليم الجاد في مرحلة ابتدأت مع المصريين منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، فعلى مر السنين لم أتخل عن حب ودعم مصر وفلسطين، ولم يتغير هذا الحب بتصرف شاذ من فرد أو مجموعة أفراد، فشعب مصر تجاوز المئة مليون غالبيتهم من أفضل الشعوب، ولمن أراد أن يعرف شعب أي بلد يجب ألا يحكم عليه من زيارة عابرة للمدن الكبرى، ولكن عليه زيارة المدن الصغرى والقرى ليرى الشعب الذي لم تلوثه المدنية، ولا اللهاث وراء لقمة العيش في زحمة المدن.
وقد كنت في زيارة قصيرة لمصر منذ شهور وزرت بعض مناطق الفيوم، وقابلت الناس الذين لا يعرفون الكويتي إلا أنه عربي مسلم شقيق، يعاملونك بكرم وود وندية وأدب جم، حاولت مع أحدهم ألا يناديني بحضرتك فقال إن هذا ليس تفخيماً ولا نفاقا إنما هو أدب الحديث مع من يكبرك سناً.من المؤكد أن في مصر أناساً سيئين، وكذلك في الكويت وفي كل بلد في العالم، لكن من الظلم المجحف تعميم سوء بعض الناس هذا على شعب كامل. إن الوافد العامل في الكويت لم يدخل الكويت عنوة أو تسللاً، فجميعهم دخلوا الكويت بعقود لأداء أعمال تحتاجها الكويت ولمدة أو مدد متفق عليها، فليس في البلد وافد دخل بدون موافقة، ودخل الوافد ليس منّة من أحد أو حسنة فهو أجره نظير عمله، بالإضافة إلى أن الوافد محرك أساسي للاقتصاد الكويتي، فهو يستأجر سكناً من كويتي ويشتري سيارة من كويتي ويدفع ثمن ما يأكل ويشرب ويلبس من تاجر كويتي، ويدّخر أو يحول مدخراته في مصرف كويتي، فالوافد بالإضافة إلى عمله مفيد للكويتيين، وما يدخره، لمن يستطيع، يرسل لعائلته في بلده ليعود بالنفع على اقتصاد بلده.في مصر بالذات يعبرون عن امتنانهم للكويت وأهلها بفتح جامعاتها لطلبة الكويت بالمجان، لا فضل بين الإخوة إنما منافع متبادلة، لذلك من المؤلم أن يشذّ أفراد ويثيروا الناس بأسلوب هابط، فيأتي رد الفعل من أفراد لا يقلون سوءاً ليثيروا الناس ويسيئوا لهذه العلاقة المتميزة.أخشى في هذه الفترة من حالة القلق العام أن نقع فريسة للحملات الشرسة على مصر التي يشنها الإخوان المسلمون وبعض الجهات الموالية والتابعة لهم، فجميع وسائل الإعلام الإخوانية جندت كل كوادرها ووسائلها المختلفة للعمل ليلا ونهارا لضرب مصر، وتشويه الحقائق وملاحقة أي حدث له علاقة بمصر والمصريين، وتضخيمه لدق إسفين بين أي بلد وبين مصر، والمتتبع لقناة الإخوان في تركيا وجريدة "القدس" وعين الشرق الأوسط وكل منابر الإخوان وأتباعهم يدرك حجم الأموال التي تصرف لضرب مصر والإمارات والسعودية مؤخراً. ولا أستبعد أبداً أن يكون موضوع تضخيم قضايا المصريين في الكويت جزءاً من حملتهم المحمومة لإحداث شرخ بين الكويتيين والمصريين، ومن ثم بين مصر والكويت، ليبعدوا مصر عن محيطها العربي وليستفردوا بكل بلد على حدة.
مقالات
حب مصر والمصريين
20-11-2018