غداة تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالسيطرة على الأسعار وعدم السماح بارتفاعها مجددا، كشف تقرير لوكالة "رويترز" أن العقوبات الأميركية، التي وصفها البيت الأبيض بـ "الأقسى في التاريخ"، كبدت مئات الشركات في إيران خسائر ضخمة، بعدما تسببت في ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة من الخارج، واضطرتها إلى تعليق إنتاجها وتسريح آلاف من عمالها.وذكر التقرير أن الشركة الإيرانية لتصنيع المشروبات الغازية "تامنوش"، أغلقت خط إنتاجها بعد 16 عاما من التشغيل، وسرَّحت عشرات العمال، إذ تواجه خسائر ضخمة بفعل العقوبات الخانقة التي تهدف إلى إرغام طهران على تقديم تنازلات بعدة ملفات، في مقدمتها البرنامج النووي وأنشطتها بالمنطقة.
وأفاد مالكو شركات في أنحاء البلاد، بأن "مئات الشركات علقت الإنتاج وسرَّحت آلاف العمال، نظرا إلى مناخ أعمال غير مُواتٍ، يرجع بشكل رئيس إلى العقوبات الجديدة" التي دخلت حيز التنفيذ مطلع نوفمبر الجاري.
هبوط واضطرابات
وتتمحور أسباب إغلاق الشركات حول هبوط سعر الريال الإيراني إلى مستويات قياسية متدنية، الأمر الذي ضاعف تكلفة الإنتاج والعجز عن دفع الأجور للعمال وتضرر قطاع البنوك الحيوي في عمل دائرة الاستيراد والانتاج والتصدير بالعقوبات.كما تسبب تذبذب سعر صرف العملات الأجنبية في حالة من الارتباك بالأسواق الإيرانية، حيث فضّل العديد من التجار التمسك بالبضاعة المستوردة وعدم بيعها.وساهم استهداف العقوبات لقطاعي السيارات والسجاد في تسريح العشرات ودفع بعض شركات السجاد الإيراني التي تحظى بسمعة كبيرة حول العالم إلى التلويح بتسريح الآلاف بعد حظر منتجاتها.وفي حين حذّر نائب الرئيس، إسحاق جهانغيري، من أن بلاده تحت طائلة العقوبات، تواجه خطرين رئيسَين، هما البطالة، وانخفاض القدرة الشرائية، تواصلت الاحتجاجات الشعبية بعدد من المحافظات في مقدمتها خوزستان التي يواصل عمال مصنع السكر بها التظاهر للمطالبة بدفع رواتب متأخرة منذ 6 أشهر.ويتوقع صندوق النقد الدولي، أن ينكمش الاقتصاد الإيراني 1.5 في المئة هذا العام، و3.6 في المئة في 2019، نظرا لتضاؤل إيرادات النفط الذي تسعى واشنطن إلى وقف تصديره بشكل كامل.وألقى منتجون باللوم على السياسات المالية المتغيرة للحكومة على مدى الأشهر الـ6 الماضية، وقالوا إنها تسببت في مشاكل كبيرة.وفي وقت تؤكد واشنطن أن الضغوط الاقتصادية على طهران موجهة ضد الحكومة ووكلائها في المنطقة، وليس ضد الشعب الإيراني. لكن الشباب، الذين يعانون البطالة، هم الخاسر الأكبر.وبلغت البطالة بين الشباب بالفعل 25 في المئة، في بلد 60 في المئة من سكانه البالغ عددهم 80 مليون نسمة، تحت سن الـ 30.ووفق بيانات رسمية، فإن البطالة بين الشباب من حملة الشهادات العليا تجاوزت 50 بالمئة في بعض أرجاء البلاد.تقييد البنزين
في غضون ذلك، أعلنت السلطات الإيرانية أنها ستعيد إدخال بطاقات الوقود التي تقيّد عمليات شراء البنزين في مسعى لمواجهة التهريب أمس.وأمهلت الشركة الوطنية لتكرير وتوزيع النفط السائقين 3 أسابيع للتسجيل للحصول على البطاقات الإلكترونية التي تضع حدا يوميا للشراء.وازداد التهريب خلال الأشهر الأخيرة في وقت تراجعت قيمة الريال مقابل الدولار، مع إعادة فرض العقوبات عقب انسحاب واشنطن من اتفاق نووي تاريخي تم توقيعه عام 2015 بين القوى العظمى وطهران.وأدى انخفاض أسعار الوقود إلى زيادة الاستهلاك مع شراء السكان البالغ عددهم 80 مليونا ما معدله 90 مليون لتر في اليوم. ورافق ذلك ارتفاع مستويات التهريب التي تقدر بنحو 10 إلى 20 مليون لتر في اليوم، وفق الوكالة.ويتم نقل معظم الوقود المهرب عبر الحدود إلى باكستان، حيث يباع البنزين بعشرة أضعاف والديزل بنحو 40 ضعف سعريهما في إيران.وتدعم سلطات الجمهورية الإسلامية أسعار الوقود بشكل كبير، حيث يبلغ سعر اللتر الواحد نحو 0.08 دولار. وحددت سقفا أقصى لشراء السائق العادي في 2007 بـ "180 لترا في اليوم الواحد.في هذه الأثناء، تحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن تعثر الدول الأوروبية في إنشاء آلية محددة الغرض تسمح بالتجارة مع إيران بغير الدولار. وقال ظريف في تصريحات أمس: "يواجه الأوروبيون تحديات في تحديد الدولة التي تستضيف الآلية. في الواقع بعض الدول التي تم اقتراحها لاستضافة الآلية لم تقبل المهمة، وما زالت المفاوضات مستمرة لاختيار مضيف للآلية".وستكون الآلية الخاصة بمنزلة دار مقاصة يمكن استغلالها في تسوية صادرات النفط والغاز الإيرانية مقابل مشتريات طهران من سلع الاتحاد الأوروبي للالتفاف على العقوبات الأميركية الأحادية التي تستند إلى استخدام الدولار في تجارة النفط عالميا.