المعرفة في الحب!
![مسفر الدوسري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1507745577082709700/1507745592000/1280x960.jpg)
إن معرفتنا التراكمية للطرف الآخر، والتي "تفلترها" تجربتنا الطويلة معه، تجعل درب قلوبنا آمناً، بعيداً في الغالب عن متناول الجروح وثقل الخيبات. ومن جهة ثانية، فإن هذه المعرفة تشكِّل خطرا على صحة الحب، وقد يُصاب مع مرور الزمن بداء الملل، حيث تكرر المواقف الأحداث ونفس ردود الفعل، وتُصاب المشاعر بالترهل ويكسوها الرماد. الأخطر من ذلك يحدث إذا ما خانتنا معرفتنا هذه في لحظة عمياء، وأودت بكل ثقتنا المعرفية، حينها ستكون الصدمة كارثية، وأكثر ألما وانهيارا للقلب، وسيصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن نجمع شتات الذات بسهولة، وستكون الروح عُرضة ليأسٍ طويل المدى.أما معرفتنا التي تتجدد بالحبيب مع كل يوم يولد، فتعطينا فرصة جديدة لاكتشافه من البدء، والتعرف على مشاعرنا تجاهه، ومشاعره تجاهنا، تمنحنا مجالا للتمعن في لون عينيه، فنشتهي الغرق، تاركين عمداً طوق النجاة على شاطئيهما. نتهجأ الكلمات الخارجة من بين شفتيه، كمن يتهجأ شعاعا ذهبيا هاربا من قرص الشمس، نصافحه، فنشعر أن يدنا تذوب في يده، كما تذوب حلوى "غزل البنات" في الماء. نخمن بلا يقين، نشك بلا دليل، نثق بلا إيمان، نراهن حدسنا، ونربح الرهان أحياناً، ونخسر الرهان أحياناً أكثر، كل خطوة نخطوها مع مَن نحب هي خطوة للأمام، وإن بدت لنا أنها خطوة للوراء، وكل لحظة معه هي مشروع لحظة تحفظ في الذاكرة إلى أن يبدأ اليوم التالي حاملا معه مشاريع لحظاته القادمة، لتأخذ مكانها في صندوق الذاكرة. معرفتنا المتجددة بالحبيب تعطي أفقا شاسعا للدهشة، وحيزا كبيرا للتخيل، ما يساعد الحب على التنفس وملء رئتيه بالهواء، إلا أنها تجعله في ذات الوقت قابلا للكسر في أي لحظة، ولأي سبب، مهما بدا ساذجاً، بسبب سوء الفهم، والتوجس الحاضر بين الطرفين، نتيجة مشاعر تولد كل يوم لشخص نتجاهل إرث معرفته، إلا أن الجرح سيكون أقل وحشية!