الفن حياة
حياتنا فقيرة بلا فن، رمادية بلا ألوان... أغلب ما نشاهده على التلفاز ونستمع له في الإذاعات لا يتعدى كونه ترفيها مبتذلا صنع من أجل الربح المادي فقط، فهو ترفيه خاوٍ من القيمة والمعنى، وذلك ينطبق أيضاً على ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي.الفن الحقيقي يمس القلوب ويوقظ الوجدان، وكثيراً ما يكون الفن أو الأدب نقطة تحول في حياتنا، فقد تغير رواية ما نظرتك إلى الأمور بصورة لا رجعة فيها، وقد تكتشف جانباً جديداً في قلبك بعد الاستماع إلى أغنية أو مقطوعةٍ ما. تتوق الأنفس إلى الجمال... ذلك الجمال العفوي البسيط بلا تكلف، ذلك الجمال الذي تجده في بسمة طفل أو في حضرة شجرة عجوز، فذلك الجمال المتكلف الذي اعتدناه في مجتمعنا استحال قبحاً، بل أصبح عبئاً ثقيلاً فرضناه على أنفسنا. فكثرة الزيف تبعدك عن الجوهر، لذلك لا تبتسم إلا عندما تعني ذلك! إن الجمال والحقيقة قرينان لا يفترقان، والفن ما هو سوى وسيلتنا للتعبير عن هذه الثنائية الأبدية.
يولد الفن نتيجة التواصل الحقيقي مع الطبيعة والحياة وخوضها بكل ما تحمله من تجارب وأطياف المشاعر المختلفة. نعم، فهذه هي الحياة الغنية التي تستحق العيش، ويا لها من حياة شحيحة قاحلة تلك التي تعاش بصورة نمطية تحت قضبان المعهود والممنوع، فالإرادة الحرة هي طبيعة الإنسان. أما "الفن" الذي يولد دون تلك التجربة الباطنية العميقة فلا يتعدى كونه مجرد صورة لطيفة أو لحن يسهل تذكره، وما أكثر انتشار هذا النوع من "الفن السريع"– على غرار الوجبات السريعة- في عالمنا الرقمي.تصبح القسوة والجلافة السمة السائدة للمجتمعات التي تخلو من الفكر والفنون، ويُستبدل العمق بالسطحية والتفاهة تحت وطأة سياسات المنع والتحريم وسيطرة الرأسمالية الاستهلاكية، وذلك بسبب منع البديل الجيد من كتب وثقافة ونشر سخافة مشاهير "السوشال ميديا" عوضاً عن ذلك. فيا لها من جريمة كبرى عندما حُرّم الفن وترتب على ذلك عقود من الظلام في العالم العربي بعد أن كنا نعيش العصور الذهبية في الثقافة والفنون وجميع أشكال النتاج الفكري. أما الآن فأملنا الوحيد في تلك الموجة الشبابية الواعدة من المبدعين اليانعين، الذين نأمل أن يتم خلق بيئة متفهمة وحاضنة لهم، أو تركهم وشأنهم ينتجون شتى الإبداعات من فنون مسموعة ومرئية وأدب، فذلك أضعف الإيمان!* "الإبداع يتطلب الشجاعة في التخلّي عن الثوابت". (إريك فروم).