بغداد تتشدد مع واشنطن وتنفتح على البارزاني
تنوي إعادة التفاوض مع ترامب على كيفية التزامها بعقوبات إيران
تواجه الحكومة العراقية الجديدة، قبل أن تنجح حتى في ملء الحقائب الوزارية الشاغرة، تحديات متزايدة في ملف العقوبات الأميركية على إيران، إلى درجة قد تجعل رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، حسب مصادر سياسية رفيعة، يعيد النظر في اتفاق أبرم مؤخراً بين بغداد وواشنطن، بشأن التعامل التجاري مع طهران.وصرح عبدالمهدي، خلال لقاء متلفز مع عدد من الأكاديميين، الثلاثاء، بأن بلاده ليست جزءاً من منظومة العقوبات الأميركية على إيران، مشيراً إلى أن «أميركا تريد فرض عقوبات على دولة أو أشخاص، وهذا الأمر يخص سياستها. هذه ليست قرارات أممية».ويمثل عبدالمهدي الجناح المعتدل، الذي يحاول صناعة توازن بين الولايات المتحدة وإيران، لكن المراقبين يقولون إن مهمته تبدو صعبة جداً مع تشديد إدارة دونالد ترامب عقوباتها المتدرجة.
وللعراق سقف مرتفع من التبادل التجاري مع إيران، ويصعب عليه قطع تعاملاته معها، لاسيما في مجال الطاقة، كما أن لطهران نفوذاً داخل المؤسسات العراقية، يمكنها استخدامه لعرقلة الحكومة في ملفات عدة.ودعا مراقبون إلى تجنب التأويل المفرط لتصريحات عبدالمهدي، قائلين إنه يطلب من إيران وأميركا، في الوقت نفسه، عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات، وهناك حوار بين بغداد والإدارة الأميركية لاستثناء العراق من العقوبات في مجالات عدة.لكن وكالة «ناس» الإخبارية المحلية، نقلت عن مصادر سياسية رفيعة، أمس الأول، أن تصريحات عبدالمهدي جاءت على خلفية محاولته إعادة النظر في اتفاق أبرمه سلفه حيدر العبادي، قبل أن يغادر المنصب، مع واشنطن، بشأن موقف العراق من العقوبات. وأفادت الوكالة بأن «العبادي سلم عبدالمهدي نص المسودة الأولية للاتفاق، خلال مراسم نقل السلطة في 25 أكتوبر الماضي، لكن عبدالمهدي رفض التوقيع عليها»، مبينة أن «سبب الرفض يعود إلى تضمين جملة التزامات في المسودة، تقيد معظم التعاملات العراقية مع إيران، باستثناء المتعلقة باستيراد الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء».وأشارت المصادر إلى أن «رفض عبدالمهدي التوقيع يرتبط برؤيته القائمة على ضرورة تجنب الانخراط في أي من محوري النزاع، الممثلين في واشنطن وطهران».لكن عبدالمهدي، الذي يحاول الاحتفاظ بعلاقات قوية مع المعسكر الغربي، والجارة الشرقية، في الوقت نفسه، لا يمتلك خيارات كثيرة أمام إدارة ترامب، التي قدمت مساعدة كبيرة منعت انهيار الدولة العراقية بعد اجتياح «داعش» ثلث مساحة البلاد قبل 4 أعوام، وهو ما تزامن مع انهيارات متتالية في أسواق النفط والاقتصاد العراقي، ولاتزال جهود واشنطن أساسية في دعم القوات العراقية ضمن ملف الإرهاب الشائك، رغم تحسن نسبي في مستويات الاستقرار.ومع تقارير عن حراك أميركي عسكري كبير في نقاط على الحدود العراقية - السورية، وعودة الأوضاع في الموصل إلى الواجهة بعد تحذيرات مقتدى الصدر وأسامة النجيفي، إضافة إلى الهدوء الحذر في البصرة، لا يبدو أن بغداد قادرة على حفظ الحد الأدنى من الاستقرار الأمني دون استمرار المساعدات المالية والفنية التي تقدمها واشنطن خصوصاً، الأمر الذي يمكن أن يتضرر إذا لم يتوصل العراقيون والأميركيون إلى تسوية بشأن التعامل مع الملف الإيراني.وليس بعيداً عن ذلك «الجولة» التي يقوم بها الزعيم الكردي مسعود البارزاني لبغداد والنجف بعد غياب طويل نسبياً، حيث التقى عبدالمهدي أمس ليتوج حواراً بدا مهماً وعملياً بين الحكومة المركزية والإقليم الشمالي حول الثروة والإدارة.ويتوقع أن يشجع البارزاني على دعم الحكومة العراقية، سواء في ملفات الأمن على حدود سورية، أو التعامل مع أزمة تجارية وسياسية محرجة في ملف أميركا وإيران.