بعد وفاة الزعيم الإسباني الجنرال فرانكو في سنة 1975 دفن في منطقة تدعى فالي أوف فولن التي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن العاصمة مدريد وبعمق يقارب الـ900 قدم في المنطقة الجبلية، وتذكر هذه المنطقة بماضي إسبانيا المضطرب والمتفجر كما أنها المزار الذي يقصده أنصار الدكتاتور الإسباني حتى يومنا هذا.

وعلى أمل أن يغير هذا الوضع صوت البرلمان الإسباني في شهر سبتمبر الماضي على نقل جثة الجنرال فرانكو من المقبرة في «فالي» لكن عائلته رفضت وافترضت الحكومة في مدريد أن العائلة تريد إعادة دفنه في مقبرة خاصة. ولكن العائلة قررت غير ذلك، وأعلنت أنها ستجري له مراسم دفن عسكرية في أكبر كاتدرائيات العاصمة الإسبانية. وقد أطلقت هذه الخطة احتجاجات واسعة النطاق لأنها ستحبط خطة الحكومة الرامية الى إبعاد الجثمان عن الأماكن العامة، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة تستطيع القيام بعمل ما من أجل منع حدوث ذلك.

Ad

وعلى الرغم من ذلك فإن الجدل حول موجة التأييد للجنرال التي ظهرت لأول مرة في السنة الماضية في أعقاب محاولة إقليم كاتالونيا الانفصال عن إسبانيا وإعلان الاستقلال أضفى صورة مختلفة، وعلى الرغم من عدم تأييد كل الشعب الإسباني للجنرال فرانكو توجد موجة دعم لسياسته، وفي شهر يوليو الماضي نظمت «الحركة من أجل إسبانيا» رحلة حج إلى ضريحه في احتجاج على سياسة حكومة مدريد، وحذر زعيم هذه الحركة من أن «نصف الشعب الإسباني يعارض نقل رفات الجنرال فرانكو». كما أن صور التجمع تظهر مجموعات تحمل أعلام فرانكو وهي توجه تحية على الطريقة الفاشية.

قلق الاتحاد الأوروبي

مثل هذه الأحداث تثيرر قلق حتى قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وفي أواخر شهر أكتوبر أقر البرلمان الأوروبي طلباً ضد ظهور العنف الفاشي الجديد في أوروبا، والذي شمل عدة حوادث في إسبانيا، وبين أشياء أخرى شجب الطلب مؤسسة الجنرال فرانسيسكو فرانكو «التي تمجد الدكتاتورية وجرائمها». وهذه المؤسسة المكرسة «لنشر وتحسين» المعرفة بإنجازات الدكتاتور ليست قانونية فقط في إسبانيا بل إنها كانت تتلقى مساعدات من حكومة مدريد حتى سنة 2004. وتجدر الإشارة الى أن القانون الإسباني بعكس العديد من الدول الأوروبية الأخرى لا يحظر تمجيد العقائد الفاشية.

وبعد عدة أيام على وفاة فرانكو وتنفيذاً لرغباته تم إعلان خوان كارلوس الأول وهو حفيد آخر ملك إسباني ملكاً على البلاد، وقد شهدت إسبانيا في عهده انتقالاً سريعاً وسلمياً الى الديمقراطية، وأصبحت الأحزاب السياسية قانونية، كما تم الإعلان عن عفو عام وتبني دستور جديد للبلاد.

وعلى أي حال، ظلت آثار الجنرال فرانكو طوال هذا الوقت في كل زاوية من إسبانيا، ومجدت أسماء الشوارع الدكتاتور وجنرالاته، وعلى الرغم من ذلك فإن إسبانيا ما بعد فرانكو والتي انضمت الى المجتمع الأوروبي في سنة 1986 لم تربط هويتها الوطنية بالعداء للفاشية أو المسؤولية الجماعية.

وعلى الرغم من محاربة الكثير من الإسبان ضد الفاشية في الحرب الأهلية فإن الحكومات العصرية الديمقراطية في إسبانيا لم تحاول تحويل هذه الحقيقة الى مصدر للفخار الوطني، وتفضي هذه الأحوال الى أوقات صعبة ومحرجة. وعندما يسعى رجال السياسة الإسبان الى تقديم البلاد على شكل دولة أوروبية كاملة يتعين عليهم طرح صورة نظيفة لتاريخ البلاد.

ويتضح ذلك من خلال وضع ألبرت ريفيرا وهو زعيم حزب المواطنين الذي حرص على الدوام على عدم شجب دكتاتورية فرانكو أو تكريم ضحاياه وخلال مناظرة انتخابية في عام 2015 جادل ريفيرا في أن على أوروبا أن تتوحد في وجه الإرهاب الإسلامي كما كانت الحال خلال الحرب العالمية الثانية وقال «معاً نستطيع دحر الفاشيين». وفي سنة 1940 تم اعتقال رئيس كاتالونيا في الثلاثينيات من القرن الماضي من قبل الغستابو في فرنسا ثم أعدمه نظام فرانكو.

وانعكس هذا الوعي الوطني أيضاً في معالم الحزب السياسي في كاتالونيا، وكانت إسبانيا تفتقر منذ زمن بعيد الى حزب من جناح اليمين المتشدد المعادي للهجرة كما هي الحال في الجبهة الوطنية في فرنسا والحزب البديل لألمانيا أو حزب غيرت ويلدرز في هولندا، ولكن فيما كانت الهجرة تشكل مصدر قلق طفيف بالنسبة الى الشعب الإسباني كان جناح اليمين موجوداً دائماً وهو من مؤيدي الجنرال فرانكو. وبخلاف نظرائه في دول أوروبا الاخرى كان في صلب يمين الوسط.

وقد بدأ اليمين الراديكالي في الآونة الأخيرة فقط بالظهور بصورة علنية، ويرجع ذلك في جزء منه الى الحملات المناوئة لسعي إقليم كاتالونيا للاستقلال عن إسبانيا في السنة الماضية، ثم إن منظمات مثل هوغار سوشيال المعادية للهجرة وحزب فوكس الراديكالي اليميني بدأت تثبت وجودها في السياسة الإسبانية، ولا يزال حزب فوكس مجرد قوة هامشية وليس له أي نواب في البرلمان، ولكن في السابع من شهر أكتوبر الماضي جمع أكثر من عشرة آلاف مؤيد في العاصمة مدريد ضمن مهرجان سياسي لجناح اليمين، وهو شيء لم تشهده البلاد منذ انتقالها الى الديمقراطية.

ودعا زعيم الحزب الجمهور الذي كان يلوح بالأعلام «الى جعل إسبانيا عظيمة من جديد»، والى محاربة الأعداء المسؤولين عن «انقسام وسقوط» إسبانيا، والحزب الذي تشير استطلاعات الرأي الآن الى أنه قد يحصد خمسة مقاعد في البرلمان دعا أيضاً الى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين أو انتهكوا قوانين البلاد.

وقد دفع صعود حزب فوكس حزبي «بي بي» و»المواطنون» نحو اليمين حول قضايا الهجرة واستقلال إقليم كاتالونيا. وفي غضون ذلك، يقول سكان كاتالونيا المؤيدون للاستقلال إن إسبانيا غير قادرة على تحرير نفسها من إرث الجنرال فرانكو، وذلك في تبرير أولئك السكان لسعيهم الى الاستقلال.

وليس من الواضح على وجه التحديد ما الذي سيحدث إذا ما تم نقل رفات فرانكو من «فالي أوف ذي فولن»، وأوصى تقرير صدر عام 2011 بتحويل تلك المنطقة الى ساحة علمانية لتعليم السكان كل ما يتعلق بماضي إسبانيا العنيف، وفي عام 2008 قال نحو ثلثي عدد سكان البلاد في استطلاع للرأي إن مدرسيهم لم «يهتموا» بقضية الحرب الأهلية أو عهد الجنرال فرانكو.

وقال جنرال في قوات الاحتياط يدعى مانويل فرنانديز– منزون في مقابلة تلفزيونية خلال الصيف الماضي «عندما مات فرانكو خلف بلداً رائعاً»، وشجب «الحملة الشريرة» التي تهدف الى تشويه صورة الدكتاتور ومحاولة اليسار لاستخراج رفاته، مضيفاً أن الجنرال «لم يقتل أحداً» على الإطلاق.