قبل أن تهدأ العاصفة
من جديد غرقت الكويت في مياه الأمطار، ولكن هذه السنة غير كل السنوات الماضية، ورغم أن الكميات التي هطلت كانت كبيرة وغير معتادة ففي النهاية هي مياه أمطار كان من الطبيعي أن تستوعبها شبكات الصرف في الشوارع التي أنفقت عليها الملايين خلال الأعوام الماضية، ولكن ما حدث كشف حجم الفساد الذي تفشي في أغلب مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الأشغال التي صدع مسؤولوها رؤوسنا بالحديث عن الاستعداد للتعامل مع موسم الأمطار فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وتعرى هؤلاء المسؤولون أمام الرأي العام لا الكويتي فحسب وإنما في جميع أنحاء العالم، حيث تناقلت كل وكالات الأنباء تراكم المياه في الشوارع وتحولها إلى برك ومستنقعات، الأمر الذي يسيء إلى الكويت كدولة غنية وتبحث عن استقطاب المستثمرين والتحول إلى مركز مالي وتجاري عالمي... فكيف بها تغرق في شبر ماء كما يقولون؟! ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات الحكومية في التعامل مع الأزمة وتدخل رجال الجيش والحرس الوطني البواسل تبقى المشكلة قائمة ولم نضع أيدينا على الحلول بعد، خصوصاً أن لجنة الطوارئ التي تم تشكيلها تتحدث عن حلول سطحية مثل «لا تخرجوا من منازلكم في حال سقوط الأمطار» و»تشكيل لجان للتحقيق وفحص شبكات الطرق والصرف الصحي» وهذا كله كلام لا يغني ولا يسمن من جوع، فالمسؤولون عن هذه الكارثة والفضيحة نعرفهم جميعاً وهم جميع القيادات التي مرت على «الأشغال» خلال العقدين الماضيين وخصوصاً الوكلاء الذين عششوا في مناصبهم سنوات طويلة وهم شهود على كل هذا الفساد الذي حدث في البنية التحتية للبلاد والتي أنفقت عليها أموال طائلة والمحصلة «صفر كبير»، حتى الطرق والجسور الجديدة التي يتغنى هؤلاء القياديون بها «مكانك راوح» وغير صالحة للتعامل مع الأمطار، وشبكات الصرف الصحي بها عقيمة لا تعمل، لذا يجب أن تتم محاسبة كل من تسبب في الإساءة إلى الكويت بهذا الإهمال والتسيب وإهدار المال العام، لا بالإقالة والتقاعد بل بمحاكمات عادلة وتطبيق صارم للقانون لا يميز بين وزير ووكيل ومقاول وموظف صغير شارك في هذا الفساد.
لقد عشنا خلال الأيام الماضية حالة من الصدمة والذهول لما رأيناه من غرق شوارعنا وتعطيل مصالحنا وتوقف الكثير من مظاهر الحياة لمجرد هطول أمطار ساعات أو أياما قليلة رغم أن هناك دولاً لا تفارقها الأمطار طوال العام وتسير فيها الحياة بشكل طبيعي، لذا فإننا يجب أن نتعلم الدرس هذه المرة ونواجه مشاكلنا بصراحة وشفافية ونضع لها الحلول الجذرية لا المسكنات الوقتية ونبعد عن اللجوء إلى تشكيل اللجان التي يكون هدفها امتصاص غضب الناس والخروج بتوصيات لا تنفذ على أرض الواقع، والدليل على ذلك أن ديوان المحاسبة فجر مفاجأة بأن الحكومة تتجاهل صيانة الطرق والصرف الصحي منذ 10 سنوات رغم وجود دراسات وتوصيات لجان تطالبها بذلك، ومن ثم فإننا يجب أن نستغل ما حدث لنفتح صفحة جديدة في التعامل مع ملف وزارة الأشغال وصيانة الطرق وشبكات الصرف الصحي وأن نكون جاهزين بالفعل لا بالكلام لموسم الأمطار التي تربينا على أنها «أمطار الخير»، كما يجب أن تكون هناك وقفة جادة تجاه المسؤولين الذين أوصلونا إلى هذا الوضع المزري وأن يعاقب المقصرون بكل حزم وشدة ومهما علت مناصبهم، سواء من الحاليين أو السابقين ومن أحيلوا للتقاعد ومقاولي الشركات... حفط الله الكويت من كل مكروه، والله الموفق والمستعان.