البرمجة السلوكية
مدارك الوعي عند الإنسان هي من خلال الحواس الخمس، وهي حكمة ربانية، فمتى ما فُقدت حاسة تدعم بقية الحواس ذلك الإحساس الذي يدرك من خلاله العقل البشري الأمور والأحداث من حوله، فقد تعلمنا في طفولتنا حين نقرأ أن نقرأ بصوت نسمعه ونضع إصبعنا أسفل الكلمة مروراً بباقي الجملة، فكانت تلك الطريقة لتحفيز حواس الإدراك التي تساعدنا على التذكر، وهي: البصر الذي ندرك من خلاله شكل الكلمة، والسمع لنتذكر طريقة اللفظ، واللمس من خلال حركة الإصبع لندرك موقع الكلمة بالصفحة، كذلك بقية الحواس، فكلها وسائل معينة للتذكر، فإن غابت معلومة فالأخرى تحل محلها للتذكر، وأي معلومة يتعلمها الإنسان أو حدث أو إشارة يصحبها انفعال في حياة الإنسان كلها تكون مخزنة في تاريخ الإنسان، وهو ما يسمى بالذاكرة البعيدة المدى، وأحياناً إذا أردنا أن نستعيد المعلومة فإننا نطلق لها المثير الحسي لاستخراجها لأنها بالأساس موجودة في عقولنا لكننا ننساها مع مرور الوقت، لذا على الإنسان حتى لا ينسى موعداً ما أو هدفاً ما أن يكتبه في ورقة ويعلقه في الأماكن التي يمر بها يومياً لتعينه على التذكر.راق لي تصرف ابنتي حين أرادت أن تذكرنا بشرب الماء يومياً فقامت بوضع قصاصة بعدة أماكن كتبت عليها: «اشربوا الماء»، فكانت نتيجتها مبهرة، إذ جعلتنا نقرأ العبارة بالبداية، ثم أصبحت كالبرمجة العقلية جعلتنا نشرب الماء يومياً دون وعي من خلال وجود العبارة، فلو أزيلت فإننا سنظل نتذكر شرب الماء لعدة أيام ثم ننسى، لكن وجودها جعلنا نستمر في شرب الماء.
وخلاصة ما أردت أن أوصله هو أننا حين اعتدنا سابقاً على وجود برامج وعبارات توعوية ثم اختفت، اختفى معها الالتزام، مثلاً: كنا سابقاً نرى اللوحات المرورية التوعوية بكثرة في الشوارع مثل عبارة: أولوية المرور بالدوار للقادم من جهة اليسار، والتي جعلت الكل يلتزم بقانون الدوار، وبمجرد أن أزيلت تلك اللوحة التوعوية أصبح الدوار فوضى، وأصبحت الأولوية باعتقاد البعض لمن يأتي مسرعاً لا للقادم من اليسار، مما خلف حوادث وشجارات وازدحامات بالدوار بسبب أن العين لم تعد ترى تلك العبارة المرورية، فتجاهلها الإدراك، فوجود تلك اللوحات ينمي سرعة الاستجابة لتنبيه العقل وتحذيره من العقوبة والنتائج المترتبة، كذلك بالنسبة إلى نظافة الشوارع والأماكن العامة. فالعبارات التوعوية والتحذيرية هي شيء دائم وليس مؤقتا، باعتبار أن الإنسان بطبيعته النسيان لكن أي مثير للإدراك يحفز العقل على التذكر ويجعل استجابته سريعة للحدث، ومنا إلى المسؤولين في الداخلية، والمؤسسات التعليمية، والإعلام، وحملات النظافة وحماية المرافق الحكومية، وكل قطاعات الدولة التي تساهم بشكل مباشر في توعية المجتمع بإعادة البرامج واللوحات التوعوية في قطاعاتها ومرافقها وفي الشوارع، فهذا من شأنه أن يقلل الكثير من المشاكل في البلد لأنها تنبه الفرد وتشعره بالمسؤولية المطلقة تجاه سلوكه العام.