كانت حملات الانتخابات النصفية الأميركية الأخيرة في حاجة إلى التركيز على السياسة الخارجية. نعم، لقد قيل الكثير عن قافلة المهاجرين، الذين شقوا طريقهم من أميركا الوسطى عبر المكسيك، لكن قضايا مثل التجارة مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وحتى روسيا وهجمات القراصنة لم تحظ بقدر كبير من الاهتمام، واليوم، بعد استعادة الحزب الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب الأميركي، فإن الوضع سيتغير.

من المرجح أن يلجأ الرئيس المحاصر دونالد ترامب إلى استخدام الأساليب المفضَّلة لدى الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم: خلق الأزمات في السياسة الخارجية لتحويل الانتباه العام عن المشاكل الداخلية. يهتم ترامب بالسيطرة على عناوين الأخبار، وبالتالي فإنه من المرجح أكثر- إذا أتيحت له الفرصة- أن يبدأ بلفت الانتباه إلى المشاكل في الشرق الأوسط، والتحدث مرة أخرى عن التهديد النووي الكوري الشمالي وإجبار الديمقراطيين على اتخاذ خيار صعب بين المعاملة القاسية لروسيا أو الدخول في سباق التسلح.

Ad

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يستخدم ترامب الكونغرس إذا حصل تباين في السياسة الخارجية، مما يضع مسؤولية المشاكل الدولية على عاتق المشرعين، الذين سيضطرون إلى إيجاد حلول جيدة.

على كل حال، حسب شعار ترامب "أنا أفوز، وأنت تخسر" الذي يعكس نظرته للعالم، فإن إخفاقات الكونغرس، التي يُحمل الديمقراطيين مسؤوليتها، هي جيدة بالنسبة إليه مثل نجاحات البيت الأبيض. مع وجود مجلس النواب الأميركي تحت قيادة "إدارة جديدة"، بما في ذلك العديد من النساء الديمقراطيات، تمكن ترامب من تحديد هدفه. لديه كل الدوافع لاستبدال القادمين الجدد، وتمرير الكرة إليهم، ثم مشاهدة فشلهم.

في هذه المسابقة الجديدة لاجتياز اللوم، أصبحت سورية جاهزة للقطف. قال إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن الديمقراطيين سيطلبون على الأرجح الإذن من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية في سورية، ومع ذلك، لا يملك أحد- سواء الديمقراطيون أو الجمهوريون- خطة مقنعة لإنهاء الحرب في سورية أو على الأقل مساعدة المدنيين السوريين، ولا يوجد سوى خطة لثني الرئيس السوري بشار الأسد عن الاستخدام العلني للأسلحة الكيميائية. إن أي خطوة يقوم بها الديمقراطيون لن تحظى بشعبية لدى ناخبيهم، وسيتحول الاهتمام من عدم قدرة ترامب على حل المشاكل إلى عدم وجود أي خطة خاصة بهم فقط.

تقدم إيران إلى ترامب فرصة أخرى لإلحاق أضرار سياسية بالديمقراطيين، فقد نفذ ترامب بالفعل تهديد يناير الماضي بسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015- المعروفة رسمياً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)- إذا لم يقم الكونغرس "بإصلاحها". على وجه التحديد، أراد ترامب أن يكون قادراً على إعادة فرض العقوبات ضد إيران، وهو ما فعله في وقت سابق من هذا الشهر. لطالما اعتقد ترامب أن العقوبات ستجبر إيران على التفاوض، لكن هذا لم يحدث، ومن غير المحتمل أن يحدث.

من أجل دفع إيران نحو طاولة المفاوضات، والأهم من ذلك، لتأكيد سلطته والحفاظ على كرامته، قد يميل ترامب إلى زيادة التوترات، أو حتى استفزاز إيران لخوض مواجهة. وبذلك، قد يضطر إينجل لمجاراته.

قال إينجل إن إيران هي "اللاعب الأكثر خطورة" في الشرق الأوسط، وكان معارضا لخطة العمل المشتركة الشاملة. على الرغم من دعمه للصفقة بعد توقيعها ومعارضته للانسحاب منها، فقد كان بإمكان ترامب أن يستخدم موقف إينجل الخاص بشأن إيران لدفعه إلى تبني موقف أكثر عدوانية أو المخاطرة بالظهور "ضعيفاً" على الأمن القومي. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث أزمة في السياسة الخارجية وتعطيل كل احتمالات إحراز أي تقدم نحو اتفاق نووي جديد وستتوجه أصابع الاتهام واللوم صوب الجميع.

علاوة على ذلك، يقدم الديمقراطيون مخرجا لترامب بخصوص كوريا الشمالية. في شهر يونيو الماضي، قدم إينجل مشروع قانون "حول جدول كوريا الشمالية النووي"، الذي ينص على توفير تقارير منتظمة من البيت الأبيض عن وضع البرنامج النووي لكوريا الديمقراطية، فضلاً عن "الجدول الزمني" للتقدم في المفاوضات المستمرة. أعلن إينجل بالفعل أنه سيعقد جلسة استماع حول هذه المفاوضات. كل ما سيقال في جلسات الاستماع هذه سيزود الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" بحجة للتراجع عن اتفاق حول نزع السلاح النووي الذي وقعه مع ترامب. يقول كيم "لم يعد من الممكن الوثوق بالرئيس الأميركي مع دعم الكونغرس المعاد".

على ما يبدو، تحسبا لبرلمان بقيادة الديمقراطيين وموقف الديمقراطيين بشأن روسيا، أعلن ترامب في أكتوبر انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF)، مشيرا إلى الانتهاكات الروسية. وقد أوصت هذه المعاهدة، التي تم توقيعها في عام 1987 من قبل رونالد ريغان ورئيس الوزراء السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، بالقضاء على الصواريخ الباليستية والقذائف الأرضية في الولايات المتحدة وروسيا. يُشير الانسحاب الأميركي من المعاهدة إلى بداية سباق تسلح جديد.

وقد دعا ترامب بالفعل إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وإطلاق "قوات فضائية"، وبينما ركز الديمقراطيون على التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وعلاقات ترامب بروسيا، وتفاصيل محادثات ترامب خلف الأبواب المغلقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي في يوليو، فسيكون عليهم الموافقة على زيادة الإنفاق الدفاعي، وإلا، سيبدون غير حكماء ومنافقين في نظر روسيا.

لقد تنفست العديد من البلدان الصعداء عند استعادة الديمقراطيين لمجلس النواب. كانت هذه إشارة على ضعف المناهج المعادية لليبرالية التي اختارها ترامب تحت شعار "أميركا أولاً" للنظام العالمي، لكن على الديمقراطيين مقاومة الرغبة في محاولة تصحيح أخطاء ترامب. يتمتع مجلس النواب بالقوة الكافية للدخول في مشاكل السياسة الخارجية، ولكن ليس له ما يكفي من السلطة للخروج منها أو الموافقة وتنفيذ أي استراتيجية متماسكة. يتمثل أفضل خيار للديمقراطيين في تولي ترامب زمام القيادة في الشؤون العالمية، مهما كان سيئا في ذلك، والعمل بنشاط لمراجعة وموازنة أفعاله. ستكون الرقابة وقوة المال أقوى أدواتهم.

في النهاية، سيحتاج ترامب إلى دعم الديمقراطيين في مجلس النواب للحصول على المال أو فرض العقوبات أو الموافقة على الاتفاقيات التجارية. إذا لعب الديمقراطيون بأوراقهم بشكل صحيح، فسيتعين عليه التعامل معهم، لكن إذا فشلوا في ذلك، فسيرون أن ترامب ما زال لديه بطاقات أخرى.

* آن ماري سلوتر وإلميرا بايرسلي

* آن ماري سلوتر هي الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة "أميركا الجديدة"، ومؤلفة كتاب "الأعمال غير المكتملة": نساء، رجال، الأعمال، الأسرة. وإلميرا بايرسلي هي المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لمنظمة "السياسة الخارجية المنقطعة" ومؤلفة كتاب "من الجانب الآخر من العالم: رجال الأعمال غير العاديين، وأماكن غير محتملة".

«بروجيكت سنديكيت، 2018»

بالاتفاق مع «الجريدة»