نهاية الهيمنة البحرية الأميركية في آسيا
تُقبِل الولايات المتحدة اليوم على مستقبل لا تملك فيه قدرة أكيدة على ولوج بحر الصين الجنوبية والمنشآت البحرية الأميركية في المنطقة وستواجه فيه تراجع تعاون حلفائها.
يشكّل بروز البحرية الصينية السريع تحدياً للهيمنة البحرية الأميركية في مختلف مياه شرق آسيا، لكن الولايات المتحدة لم تتمكن من تمويل خطة بناء سفن قوية تنجح في الحفاظ على النظام الأمني الإقليمي القائم وتنافس بفاعلية عملية البناء البحرية التي تخوضها الصين، وقاد التبدل الناجم في موازين القوى إلى تغييرات أساسية في استراتيجية الدفاع والاستمكان الأميركية. رغم ذلك، ما زال على الولايات المتحدة تقبُّل تراجع نفوذها في شرق آسيا.تشير مؤسسة راند إلى أن أسطول الصين صار اليوم أكثر حداثة أيضاً وفق المعايير العصرية لإنتاج السفن، ولكن رغم نمو البحرية الصينية، تحتفظ الولايات المتحدة بالتفوق البحري في مختلف أنحاء شرق آسيا، إلا أن الاتجاه الذي نسير فيه يبقى الأهم، ولا يبدو هذا الاتجاه واعداً، ففي مطلع عام 2018، بلغ حجم الأسطول الأميركي الناشط 280 سفينة، وإذا تطلعنا إلى الأمام، يذكر مكتب الموازنة في الكونغرس أن الأسطول البحري الناشط سيتراجع في غضون 12 سنة إلى 237 سفينة إذا بلغت موازنة البحرية متوسط موازنتها على مدى السنوات الثلاثين الماضية بالدولارات الحقيقية، وإذا التزمت ببرامج بنائها حاملات الطائرات والغواصات البالستية. إذاً، في غضون ست سنوات، سينخفض الأسطول البحري الأميركية بنحو 48 سفينة، وخلال 11 سنة، سيتراجع عدد غواصات الهجوم الأميركية بنحو 41 سفينة.تُقبِل الولايات المتحدة اليوم على مستقبل لا تملك فيه قدرة أكيدة على ولوج بحر الصين الجنوبية والمنشآت البحرية الأميركية في المنطقة وستواجه فيه تراجع تعاون حلفائها.
علاوة على ذلك، قاد ارتفاع إيقاع عمليات البحرية الأميركية في شرق آسيا إلى عملية صيانة غير ملائمة للسفن، وافتقار البحارة إلى التدريب الكافي، وجولات مطوّلة جداً في البحر. وتعكس الحوادث البحرية الأخيرة في شرق آسيا الضغوط التي تضعها عمليات الانتشار العالي الإيقاع هذه على أسطول المحيط الهادئ الهندي. وجاء رد فعل البحرية الأميركية تجاه تراجع إمكاناتها، وتآكل قدرتها على الاعتماد على حلفائها، وانخفاض قدرتها على ولوج منشآتها الإقليمية كما هو متوقع، فزادت استعراض قوتها العسكرية كي تثبت تصميم الولايات المتحدة الأكبر على مقاومة نهوض الصين رغم تراجع مقدراتها نسبياً، فخلال عهد ترامب، ارتفعت عمليات حرية الملاحة الأميركية قرب المعالم البحرية التي تنسبها الصين إلى نفسها إلى نحو مهمة واحدة كل شهرين، مما يزيد بالتالي وتيرتها إلى ضعف عمليات حرية الملاحة الأميركية خلال عهد أوباما.رغم الإفراط في توسيع مهام أسطول المحيط الهادئ وما نجم عن ذلك من مشاكل في السلامة والتدريب، تشدد البحرية الأميركية بذلك على أنها "ستواجه" الصين، وتؤكد أهمية وجودها في مياه شرق آسيا وخططها لزيادة عملياتها الإقليمية. أعلن وزير الدفاع جيمس ماتيس أن الولايات المتحدة "ستبرهن تصميمها من خلال وجودها العملي في بحر الصين الجنوبي". وفي شهر نوفمبر عام 2018، نفذت البحرية الأميركية أكبر تدريباتها على الأطلاق مع اليابان. لكن تعزيز إيقاع الوجود البحري الأميركي في شرق آسيا في ظل غياب المقدرات البحرية الداعمة له والضرورية للتصدي لبروز الصين لن ينجح في قمع النشاطات البحرية الصينية العدائية ولن يطمئن حلفاء الولايات المتحدة. لن تحقق هذه الخطوة أي هدف غير استنفاد البحرية ومفاقمة المشاكل التي تواجهها حالياً في مجالَي الجاهزية والصيانة، ما يجعل بالتالي السفن الأميركية أكثر عرضة للحوادث في البحر ويحد من ميزانية بناء السفن. ويصح ذلك خصوصاً مع توسيع البحرية عملياتها في المحيط الروسي.يعكس هذا التوتر في خطة البحرية الأميركية لشرق آسيا المعضلة المتوقَّعة التي تواجهها قوة في حالة تراجع. تقاوم الولايات المتحدة التخلي عن نفوذ إقليمي أوسع لقوة كبرى ناشئة منافسة، لكن جهودها للتعويض عن مقدراتها المتراجعة نسبياً بتوسيعها وجودها الإقليمي البحري قد يقوّض أيضاً قدرتها الطويلة الأمد على التكيّف مع دولة الصين الناشئة والتصدي لها.* روبرت روس*«لوفير»