لن نقرأ عليه الفاتحة
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
هذا الرقيب البائس هو ذاته حكماً من يقرر نوعية المناهج الدراسية البائسة التي تفرض على أطفالنا، هو من يحقن عقول الناشئة بمناهج ببغائية تدور في حلقة حفظ وتكرار الشكل والرسم بصورة مقدسة دون استيعاب المعنى، ويحرم النقد والجدل ورفض التسليم المطلق لكل ما يطرح، هو ذاته الرقيب الذي خنق أعمالاً فنية سابقة، ومثل دور المدعي العام والعشماوي في آن واحد في طلب وتنفيذ الإعدام للمسرح والفن، فأوقف عرض مسرحية "هذا سيفوه" للراحل عبدالحسين عبدالرضا قبل ثلاثين عاماً، وهو الذي منع وعدل وشوه أعمالاً فنية غيرها، هو الرقيب ذاته الذي يخنق أعمالاً فنية جميلة ناقدة، وفرض على مخرج مسرحي، مثل سليمان البسام، أن يلجأ لفرنسا وألمانيا لعرض مسرحياته التي لا تجد لها مكاناً في وطنه.الفن والثقافة ليسا تزيداً ورفاهية، الفنون بكل صورها حربة في خاصرة الممارسة الفاشية لأي سلطة، الفن له رسالة تقول إنه يجب أن يكون مشاغباً ناقداً خارجاً عن المألوف والمتفق عليه اجتماعياً، ويذهب المفكر الألماني ادورنو لدرجة القول إن كل عمل فني هو جريمة غير مرتكبة، أي إنه يهز قناعات ومسلمات اجتماعية حين تصبح مستنقعاً راكداً يسبح فيه بشر يخشون الخروج منه، ويتصورون أن هذه هي الحقيقة، ولا شيء بعدها كجماعة كهف أفلاطون.إلى متى يستمر هذا الحال البائس مع تلك العقليات المحنطة التي تفرض رأيها من الأعلى، وتجد صداها من الأسفل في الممارسة الاجتماعية، كما تظهر لنا في ثقافة "يا رب لا تغير علينا"؟! ماذا لو عملنا مقابر رمزية كمقبرة محمد شرف في كل مكان، تعد مسلخاً للحرية؟ هل توجد ساحة أمام مجلس الأمة؟! هل توجد ساحة أمام مجلس الوزراء؟ هل توجد ساحة في وجدان المتزمتين المحافظين...؟! كم نحن بحاجة إلى مقابر عميقة ندفن بها كل هذا الإرث السياسي الاجتماعي القمعي ولن نقرأ عليه الفاتحة؟