المهاجرون أزمة العالم المعاصر
على مر التاريخ الإنساني ترك ملايين البشر أوطانهم لأسباب مختلفة، وهاجروا إلى بلدان أخرى، بحثاً عن حياة أفضل، ولم تكن تلك الهجرات البشرية الجماعية في الماضي، تشكل أي أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بل كانت ظاهرة طبيعية إيجابية ساهمت في إثراء المجتمعات وتنميتها وتقدمها، هكذا تكونت دول كالولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وأستراليا.حرية التنقل، في أرض الله تعالى الواسعة، من أقدم حريات الإنسان، ومن أول حقوقه، وما نشأت الحضارات وتفاعلت الثقافات إلا بفعل حركة الهجرات، وذلك قبل رسم الحدود واصطناع الكيانات.ومع أن العالم أصبح أكثر تقارباً واندماجا، بفعل المد العولمي، وتجاوز سكان الأرض الـ(7.5) مليارات، إلا أن الصراعات والعنف والإرهاب والفقر والمجاعة زادت معدلاتها في مناطق عديدة من العالم، مما اضطر آلاف البشر إلى الفرار من بلدانهم في إفريقيا وآسيا وأميركا الوسطى والجنوبية، يتحدون الصعاب والظروف الجوية القاسية والموت في البحار والصحارى، أملاً في الوصول إلى حيث الأمان والمعيشة الكريمة.
لذلك من الطبيعي أن ترتفع معدلات الهجرة العالمية، طبقاً للتقرير الذي نشرته الأمم المتحدة مؤخراً، بمناسبة اليوم العالمي للهجرة، الذي يصادف 18 ديسمبر كل عام، يذكر التقرير أن معدلات الهجرة ارتفعت بنسبة %50 ووصل عدد المهاجرين إلى 258 مليون مهاجر.أكثر 10 دول يقصدها المهاجرون في العالم:1- الولايات المتحدة: 49 مليون مهاجر، والوجهة الأولى للمهاجرين، أرض الفرص، وموطن الحلم، إذ تحتضن أكثر من %20 من مهاجري العالم، وبالرغم من سياستها الحالية في عهد الرئيس ترامب في الحد من المهاجرين غير الشرعيين، فإنها ما زالت الدولة التي تستقبل أكبر عدد من المهاجرين.2- روسيا: 11 مليون مهاجر. 3- ألمانيا: 10 ملايين مهاجر. 4- السعودية: 9 ملايين مهاجر، لكني أتصور أن العدد قد انخفض بعد أن اتخذت الدولة مؤخراً، سياسات حازمة للحد من المهاجرين غير الشرعيين، وفرض نظام السعودة بحزم، ورفع كلفة الإقامة السنوية لغير السعوديين.5- الإمارات: 8 ملايين مهاجر.6- بريطانيا: 8 ملايين مهاجر.7- فرنسا: 7.5 ملايين مهاجر.8- كندا: 7.3 ملايين مهاجر. 9- أستراليا: 6.5 ملايين مهاجر.10- إسبانيا: 6.5 ملايين مهاجر. ما آثار وتداعيات الهجرة على العالم؟أوروبا ضاقت بالمهاجرين، وإيطاليا أغلقت موانئها أمام سفنهم، وترامب أرسل جيشاً لمواجهة قافلة المهاجرين.أنتجت الهجرة أربعة أحداث مهمة: أولا: يقظة الهوية القومية المنكفئة على الذات، الكارهة للآخر المهاجر واللاجئ، وتصاعد المد الشعبوي الذي يكاد يجتاح مجتمعات العالم، من الفلبين إلى الولايات المتحدة، مروراً بالبرازيل والمكسيك والهند، وصولاً إلى أوروبا. نجد تجلياته في تحقيق الأحزاب الشعبوية انتصارات انتخابية في دول الاتحاد الاوروبي، ووصولها إلى المشاركة في السلطة، والبرلمان الأوروبي، ووصول زعماء شعبويين إلى سدة الحكم: الولايات المتحدة، وإيطاليا، والبرازيل، والفلبين، والهند.ثانياً: تصدع فكرة الكيان الاتحادي الأوروبي، القائمة على مبدأ حرية الحركة، للبشر والسلع والخدمات والمال.ثالثاً: الخروج البريطاني، رفضاً للهجرة.رابعاً: تزعزع القيم الليبرالية: التسامح وقبول الآخر.المهاجرون إلى الخليج:يواجه الخليج طوفاناً بشرياً من بلاد الفائض البشري والمجاعة والفقر والحروب، سعياً وراء الرزق، وهو حاجة اقتصادية تتطلبها مشاريع البناء والتنمية، وواجب إنساني، لكن عشوائية الهجرة أنتجت ظواهر سلبية.المهاجرون إلى أوروبا لا يصلون إلى نسبة %5 من السكان في أقصى تقديراتها، وهم عمالة ذات كفاءة، إلا أنها أوجدت نقمة شعبية واسعة على حكوماتها، وغيرت مزاج الناخب الأوروبي، فصوت لليمين المعارض، فما بالك بمشاعر المواطن الخليجي مع الهجرة الكثيفة، ذات الكفاءة المتدنية، المشكلة لـ%90 من السكان في بعض دول الخليج، بحيث أصبح المواطنون أقلية، يراودهم الشعور أنهم غرباء في أوطانهم، يكادون يقتلعون من جذورهم، طبقاً لعمر الشهاوي، كما يشكلون عبئاً هائلاً على الخدمات الصحية والبلدية والنظافة والمرور والمرافق العامة؟! هذا التسونامي البشري العشوائي أصبح مهدداً للهوية الثقافية والأمن الخليجي، ومدمراً للمرافق والخدمات العامة، ومشوهاً للوجه الحضاري في الخليج.الوضع السكاني الخليجي استثنائي، لا مثيل له في العالم المتحضر، أنتج نقمة عامة بين المواطنين على السياسات الحالية، وأحدث تذمراً اجتماعياً واسعاً لدى المواطنين بسبب تردي الجودة النوعية للخدمات، نتيجة الضغط السكاني، يخشى في ظل استمراره، أن يخلق مناخاً معادياً للوافدين، فمن حق الخليجي أن ينعم بخدمات متميزة في دولته التي تفيض ريعاً ورفاهية.* كاتب قطري