لا يُعتبر مارك زوكربيرغ أول شخص في التاريخ يستمد إلهامه من أغسطس قيصر، مؤسس الإمبراطورية الرومانية. لكنه من بين القلائل الذين تكتسب معهم عِبر عهد أغسطس أهمية ملحة، فقد بنى كلا الرجلين إمبراطورية دولية قبل بلوغهم سن الثالثة والثلاثين، فأخبر زوكربيرغ مراسل "نيويوركر" في وقت سابق من هذه السنة: "نجح أغسطس من خلال مقاربة قاسية عموماً في فرض السلام في العالم لمئتي سنة، ولكن ما كان المقابل؟". تابع زوكربيرغ موضحاً أن أغسطس "اضطر إلى اتخاذ بعض الخطوات" ليضمن الاستقرار في إمبراطوريته، ويبدو أن الأمر عينه ينطبق على "فيسبوك".

كشف تقرير من ستة آلاف كلمة نُشر في "نيويورك تايمز" بالتفاصيل المشينة المدى الذي ذهبت إليه شركة "فيسبوك" لتحمي هيمنتها وتهاجم منتقديها، فمع تفاقم عدد الأزمات المتداخلة عن خطاب الكراهية، ونشر معلومات خاطئة، وخصوصية البيانات، تجاهل أولاً كبار المديرين التنفيذيين أدلة تُظهر أن المنصة تحولت إلى قوة موجِّهة في حملات نشر المعلومات المغلوطة التي قادها متصيدون روس تدعمهم الحكومة، ومن ثم أخفوها. في المقابل، شنت الشركة حملة ضغط وعلاقات عامة عدائية صادمة شملت إنشاءها وترويجها لمنشورات مدونات لا يمكنك عملياً التمييز بينها وبين "المحتوى المنسَّق غير الأصلي" (أي الأخبار الكاذبة) الذي تعهدت "فيسبوك" بإزالته عن منصتها.

Ad

ثمة فيض من الأدلة التي تُظهر أن "فيسبوك" تخسر سيطرتها على مستخدميها، ففي الأسواق التي تُعتبر "فيسبوك" فيها الشركة الأكثر ربحية، تبدو قاعدة مستخدميها راكدة، كما في أميركا الشمالية، أو حتى تتقلص، كما في أوروبا. قد تشعر هذه الشركة بالطمأنينة لأن "إنستغرام"، الذي تملكه بالكامل، ما زال يتوسع بقوة، إلا أن نجاح "إنستغرام" لم يحل دون معاقبة "فيسبوك" في أسواق الأسهم.

قد لا يأتي انهيار "فيسبوك" بعد تراجع طويل إنما بسبب أعمال خارجية (تعرضها لغرامات كبيرة، أو توسّع التحقيقات، أو معاقبتها وإضعافها بسبب مجموعة تنظيمات جديدة). على سبيل المثال، ذكر ممثل رود أيلند ديفيد سيسيلين، الذي سيترشح على الأرجح للجنة الفرعية القضائية لشؤون محاربة الاحتكار في مجلس النواب، في تغريدة نشرها الأسبوع الماضي: "لا يمكننا الوثوق بأن فيسبوك تستطيع تنظيم نفسها".

قد تشكّل وزارة العدل في إدارة ترامب على الأرجح التحدي الأكبر في وجه "فيسبوك"، ما انفك رئيس قسم محاربة الاحتكار ماكان ديلراهيم، يغدق الثناء على الدعوى القضائية الشهيرة "الولايات المتحدة ضد شركة مايكروسوفت" التي هدفت إلى محاربة الاحتكار، وكما ذكر تيم وو، مستشار سابق في لجنة التجارة الفدرالية له كتاب The Curse of Bigness: Antitrust in Gilded Age (لعنة الكبر: مكافحة الاحتكار في العصر الذهبي)، "سيحظى كل مَن يقود الحملة لتفكيك فيسبوك بالدعم السياسي والشعبي". ويدعم استطلاع جديد أجراه موقع Axios أخيراً هذا التقييم. فقد بدّل الأميركيون رأيهم بشأن وسائل التواصل الاجتماعي في السنة الماضية، ويعتقد غالبية الأميركيين من شتى الانتماءات السياسية اليوم أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤذي الديمقراطية، وأن الحكومة لا تبذل جهداً كافياً لتنظيمها.

يجب أن يشكّل الاستياء الشعبي مصدر قلق "فيسبوك" الأكبر، فقد نجحت شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى في التفلت من الخزي الموجّه نحو "فيسبوك" لأنها تقدّم خدمات مفيدة على نحو جلي. على سبيل المثال، توصل "أمازون" الأغراض إلى منزلك، فيساعدك "غوغل" في العثور على الأشياء على شبكة الإنترنت، وتبيع "آبل" سلعاً فعلية، ولكن ماذا عن فيسبوك؟ أيساعدك في خوض الجدالات؟ أيتيح لك إيصال آراء زملاء صفك القدماء إلى دماغك؟

خلال السنة الماضية، أمضيت وقتاً طويلاً وأنا أحاول دون جدوى منع نفسي من استخدام منصات التكنولوجيا الكبيرة. فرغم كل شكواي، يبقى البحث على "غوغل" الطريقة الفضلى لتصفح الإنترنت ويظل "أمازون" ملائماً جداً، حتى أنني أكره فكرة التخلي عنه، لكنني خرجت من موقع فيسبوك قبل أكثر من سنة ولم أعاود دخوله سوى مرات قليلة منذ ذلك الحين. اعتدت سابقاً استعمال فيسبوك يومياً، إلا أنه لم يحسّن حياتي ولم يبدُ لي مفيداً أو ضرورياً. لم يقُل مواطنون رومانيون كثر أمراً مماثلاً عن "السلام الروماني". يسقط بعض الإمبراطوريات لأنه يتعرض للغزو من الخارج أو لأنه يفسد من الداخل، لكن إمبراطورية زوكربيرغ قد تكون الأولى التي قد تنهار لأن مواطنيها خروجوا منها فقط.

* ماكس ريد

* «نيويورك ماغ»