كانت البهجة دائما حين أكسر حدة الغربة المتواصلة في زيارة أرتبها عادة لتتوافق مع معرض الكتاب العربي بالكويت. في تلك الأيام الاستثنائية تمتزج رائحة الكتب ووجوه الأصدقاء وتبادل الأحاديث عن كل ما هو جديد في حقل الكتابة والنشر والتأليف. في العام الماضي لم أستطع التوفيق بين خطة العلاج ووقت المعرض، وكأنني فقدت شيئا مهما، كنت أتابع حوارات الزملاء من بعيد. هذا العام وافق الطبيب المعالج على منحي شهرا إجازة من عناء العلاج الكيماوي وغثيانه وتبعاته. ما حدث كان مؤلما. وصلت إلى الكويت وأنا طريح الفراش، أعاني صعوبة في الحركة والتنقل منذ وصولي حتى اليوم الأخير من المعرض. الفترة التي منحها لي هذا المرض اللعين هي فرصة المشاركة مع مجموعة من أحبة إسماعيل فهد إسماعيل في تأبين الراحل، وسرد بعض ذكرياتنا معه. اعتدت أن أشعر بالخجل حين أتحدث عن معاناة تهمني ولا يشترك بها أحد معي، لكن المسألة هنا لم تعد شخصية، ولا علاقة ذاتية بيني وبين المؤسسة الإعلامية والرقابة. ما يحدث يعانيه كثيرون: كُتاب، موزعون، وناشرون. الجميع هنا يرى أن معرض الكويت في السنوات الأخيرة يتحول من جاذب إلى طارد، ولا يمكن مقارنته بالمعارض الخليجية الأخرى. حُجزت أعمال دون سبب وجيه ومنطقي، وتُركت في المخزن دون الفسح عنها، وكأن أعضاء الرقابة سيقرؤون كل هذا الكم من الإصدارات في هذا الوقت الضيق. ربما أقتنع بصعوبة لو أن الموضوع هو توزيع داخل البلاد وهناك فرصة لقراءة هذه الأعمال، أما في معرض سريع لأيام محددة، فمن الصعوبة بمكان فعل ذلك.
أعود مرة أخرى إلى عتبي على الإخوة بالرقابة، في العام الماضي تم حجز مجموعتي (أبيض يتوحش) لدى الرقابة حتى قبل نهاية المعرض بيومين. والمجموعة تضم قصص الغزو العراقي صدرت عام ١٩٩٣ بعنوان "أول الدم"، وكانت مجازة في حينها، لكنني أتلفتها لسوء غلافها عدا مجموعة كتب وزعتها على الأصدقاء. تم الإفراج عن المجموعة، ووزعت في اليومين الأخيرين بعد قراءة الإخوة في الرقابة للعمل. المفاجأة أن نفس المجموعة تم حجزها هذا العام، ولم يُفرج عنها نهائيا. كان ذلك ألما جديدا يُضاف لمنع روايتَي: "المسطر" و"كاليسكا".الكويت هي البلد الذي أكتب عنه ومنه، وهي البلد الذي أشعر بأن القارئ به هو الصديق الحميم للكتاب الذي نجتهد سنوات لإصداره، ومنع هذا الكتاب تحت حجج واهية يثير في النفس الغبن. ذلك ليس ما يتعلق بي وحدي، لكن بجميع الأصدقاء الذين يضطرون إلى اللجوء للمحاكم لرفع الظلم عن كتبهم. كان منتهى طموحنا أن يسمح للكتاب في المعرض العربي، كما يسمح به في البلدان الخليجية الأخرى. أما معاملته ككائن شاذ وخارج عن القانون فلا يليق به، علما بأنه لا أحد يقنعنا أو حتى يشرح لنا سبب المنع. فما نتناوله في الرواية هو جزء مما تتداوله وسائل الكتابة الأخرى. كانت زيارة حزينة زادها هذا الوضع الرقابي المتشدد حزنا إضافيا. ونقول مازال هناك أمل بأن تتحسن الحال.
توابل - ثقافات
زيارة حزينة
27-11-2018