شهدت القاعة المستديرة في مركز جابر الأحمد الثقافي، أمس الأول، فعالية "حديث الاثنين"، ضمن الموسم الثقافي للمركز، وتمت استضافة الشاعر دخيل الخليفة، الذي قدم أمسية شعرية بعنوان "تغريبة الحب والوجع"، بحضور جمع غفير من الأدباء والمهتمين. وتضمنت الأمسية عزفاً على العود للفنان والشاعر محمد الأسلمي.

استهل الشاعر محمد العتابي حديثه بمقولة لبورخيس "الفن يحدث في كل مرة نقرأ فيها قصيدة ما". وأضاف: "يوجد النص على عتبة الحياة، يتحول من شيء إلى كائن حي، إذا ما نجح في الدخول إلى عينيك، أو أذنيك. ونحن هنا اليوم لكي نرى هذه الأعجوبة، اللغة التي تخرج من كُمُونها العصيّ، وتتشكل في صورة ألف معنى، تتلون ملياً مع كل كلمة أخرى، لأن التأويل، وإعادة التأويل، هي لعبة الشعر الأولى. هكذا يؤمن دخيل الخليفة يكتب القصيدة باحثاً عن حلم، الحلم يبحث عن الوطن دائماً أنثى.

Ad

ويتابع: "الشاعر بطبعه عاشق، والحبيبة التي تعطيه عاطفة مكتملة تقتله، لأنها تشبع شعوره في الفقد"، ولأجل ذلك يكتب حذراً، راقصاً أبدياً على الخط الفاصل بين الجوع والامتلاء، كلما انطفأت جذوة فقده أشعلها. كلماته دفءٌ في صقيع الليالي. ويوضح العتابي" يكتب الشعر باعتباره موقفاً من الوجود ومن العالم، منحازاً في البدء والمنتهى إلى الإنسان، متجرداً من كل اعتبارات مضافة خارج نطاق إنسانيته. وعليه فهو يكتب الشعر، ليس بصفته تدفقاً سليقياً محضاً، بل لغةً خاضعة للفكر الشعري، لمنطق يحاكم العالم عديم الشعرية، في محاولات تتراوح بين فهمه ورفضه".

ويقول العتابي "يعتبر دخيل الخليفة واحداً من أهم الأصوات الشعرية في المشهد الأدبي الكويتي. ينتمي إلى تيار شعري مجدد، وهو يقدم نفسه في صورة مغايرة مع كل عمل شعري يقدمه. عمل في الصحافة من خلال صحيفة "أوان"، "آراء"، مجلة "المجالس"، وجريدة "السياسة". أسس دار "مسارات" للنشر والتوزيع، وشارك في العديد من الملتقيات والأمسيات الشعرية في مصر والسعودية والإمارات وعمان والبحرين، إضافة إلى مشاركته في مهرجان الكويت الثقافي في الكويت، وعمله في ميدان التدريب الإبداعي عن طريق تنظيم ورش عمل للتدريب على كتابة القصيدة الحديثة".

صور جمالية

من جانبه، قال الخليفة في بداية حديثه " أشعر أن هذه الفرحة منقوصة، لأنني في الأمسيات السابقة عندما كنت أنظر إلى من هم أمامي كنت أرى إسماعيل فهد، وناصر الظفيري". وأشار الخليفة إلى أن الظفيري اعتذر لشدة المرض، وعلق قائلاً " إسماعيل تعرفون غيابه مؤثر، وأقول إن هذه الفرحة بوجودكم، لذلك كل ما كتبته من جديد، وكل ما قرأتموه سابقاً، هو إهداء إلى هذه الوجوه الطيبة التي أحبها جداً".

ومن ثم ألقى الخليفة مجموعة من القصائد الشعرية التي توهجت بالكثير من الصور الجمالية، وصاحبه عزف جميل للعود، ليلقي الخليفة قصيدة بعنوان "ما يستوي البحران" ومن أجوائها: الماكرون بسحرهم مروا عليك/ حبالهم تسعى لتفتن أعين العشاق/ ثم تفقدوا ظلي ببابك قلت: (تاه على الممر الساحلي).. وأنت عيني!/وبحثت عني في سرابك/ خلتني مجنون ليلى هائماً بين القوافي لا يرى امرأةً سوى أنثى قصيدته تسوس بقلبه وتصيح: أيني؟!

وقال الخليفة في قصيدة "كم صيغة للحب" التي تنوعت فيها الرؤى في سياق جمالي متنوع: وأنا حصان الغيم/ أركض أينما تلد الفصول حكايةً من نجمة منسية في الليل بين قصيدتين لشاعر ماتت حبيبته/ وراح يعيد ترتيب الحكاية من جديد ثم علق بين قافيتين حبلاً وانتحر!

قضايا إنسانية

وعلى هامش الأمسية قال الخليفة، "كل كتابة إبداعية وخصوصاً الشعر هي محاولة لخلق توازن نفسي ما بين العوالم الداخلية والخارجية للشاعر، لكن الإشباع يعني الاكتفاء والتوقف عن الغوص في العمق وهي صفة يتناساها المبدع الحقيقي، وتتملكه الرغبة في اصطياد المعاني والصور الشاردة، إنه عاشق أبدي للمختلف والمغاير".

أما عند سؤاله "هل يخاف حين يكتب الشعر" يقول الخليفة " الخوف يكمن دوماً من ردة فعل الآخر خصوصاً في مواجهة جمهور عريض كما حدث في أمسية هذه الليلة، لكنني اعتدت أن أكتب ما يمثلني على صعيد المضمون، والشكل الفني، وهو ما اعتاده من يتابعني أو يقرأ لي منذ 30 عاماً تقريباً، لأن المهم أيضاً أن تخلق جمهورك الخاص، الذي يدرك أنك تمثله دون أن تتنازل عن رغبتك في الفن داخل النص".

وتابع من ناحية أخرى، "أكتب ما أفكر به على صعيد المضمون، لكن النص يبني نفسه فنياً لحظة ولادته، في منطقة بين الوعي واللاوعي، حالة تشبه التحليق، أكتب ما أعيشه بلغة الحاضر والمستقبل مستنداً إلى ذاكرة وقضايا إنسانية مازالت تضيء كل نص. حينما نكتب علينا أن نمثل الإنسان بكل قضاياه، دون أن نتخلى عن شروط بناء النص ولذا أنا أعيش ما أكتبه بشكل يومي". وعن الثيمة الأساسية في شعره يجيب الخليفة "الثيمة مصطلح يجمع نصوصاً عدة في تجربة ديوان واحد، لكنها لا تلخص شعراً يمثل تجربة كاملة، ويمكن القول، إن الهم الإنساني في كل مكان هو قضيتي في كل وقت". وعن سبب الحزن في قصائده يقول " لأن الفرح قصيدة لاتكتب بل تمارس"

وفي الختام الأمسية تم توزيع مختارات شعرية من الدواوين الستة للخليفة اختارها وقدم لها الشاعر العراقي سعد الياسري وصدرت عن منشورات " تكوين".