بينما يحتفل الأميركيون بعيد الشكر، لنكن شاكرين على أن خلافة "داعش"، التي تضاءلت كثيراً، كادت تسحق، ولنصفق لدور إدارة ترامب في تقليص هذا الخطر إلى حد كبير، فعندما تسلم ترامب سدة الرئاسة، لم يكن "داعش" مجرد مجموعة إرهابية أخرى، بل كان يدير أمة صغيرة إسلامية متطرفة، فقد سيطر التنظيم على 45325 كيلومتراً مربعاً تقريباً بين العراق وسورية (أي ما يعادل ضعف مساحة ولاية نيوجيرسي)، حسبما أشار جايمي ماكينتاير من موقع "واشنطن إكزامينر".طبّق مقاتلوه الخمسة والثلاثين ألفاً الشريعة، وفجروا مواقع تاريخية، ورموا رجالاً مثليي الجنس عن مبان عالية، وهجروا، واضطهدوا، وذبحوا آلاف المسيحيين، والشيعة، واليزيديين، كذلك سارع الإسلاميون المتطرفون الأغبياء إلى "داعش"، وركبوا موجة الجهاد، وساهموا في امتداد درب هذا التنظيم الدموي من باريس إلى بروكسل وسان بيرناردينو، وهكذا نشرت هذه المجموعة الإسلامية الفاشية الرعب بين الأوروبيين والأميركيين، ودرّب تنظيم "داعش" أيضاً القتلة، وألهم عبر الإنترنت مجرمين منفردين ليشنوا الهجمات في أي مكان وزمان.
ولكن بحلول شهر سبتمبر الماضي تقلص هذا البلد الإسلامي الإرهابي بحق إلى نحو 518 كيلومتراً مربعاً كانت كل ما تبقى له.أشار بيان صدر في 27 سبتمبر عن عملية العزم الصلب، إلى أن الجهود المتعددة الجنسيات التي قادتها الولايات المتحدة أدت إلى "تحرير نحو ثمانية ملايين عراقي وسوري من حكم "داعش" الوحشي، وتقليص قبضته على الأراضي إلى نحو 1% مما كان يسيطر عليه سابقاً". وعملت القوات الديمقراطية السورية عن كثب مع الأميركيين للقضاء على "داعش". وتشير التقارير إلى أن القتال العسكري يتركز اليوم على حصن داعش في دير الزور بمحاذاة نهر الفرات.أخبر السفير جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، وكالة رويترز: "يتواصل القتال ونأمل أن ينتهي في غضون بضعة أشهر، وأن تكون هذه الأراضي الأخيرة التي يسيطر عليها "داعش" بطريقة شبه تقليدية، لكن الهزيمة النهائية لا تعني ببساطة القضاء على سيطرة آخر وحدات "داعش" العسكرية التقليدية على الأراضي، بل تشمل أيضاً ضمان أن "داعش" لن يعاود الظهور في الحال كخلايا نائمة ولن يرجع كحركة تمرد".فقدَ التنظيم كل أراضيه تقريباً، لكن الأكثر أهمية على الأرجح خسارته الكثير من مكانته، فما قد يدفع أي إنسان إلى مواجهة الشمس الحارقة ورمال صحراء القاسية لينضم إلى وهم حقيقي: الخلافة الإسلامية اليوم؟ يبدو هذا أشبه بخوض غمار نهر الراين للمحاربة إلى جانب ألمانيا النازية في مارس عام 1945.لمَ انهار مقر تنظيم داعش بالكامل تقريباً؟ أدت خطوات أوباما الخجولة إلى هجمات الرئيس ترامب القوية.أخبرني جيم فيليبس، باحث في مجال الأمن القومي في مؤسسة "التراث": "أدار البيت الأبيض برئاسة أوباما تفاصيل الحرب ضد "داعش" ولم يحسن القيام بذلك، فقد اضطرت وزارة الدفاع الأميركية إلى وقف ضرباتها بسبب القيود السياسية المتشددة التي فُرضت على استعمال القوة. استبعدت إدارة أوباما أولاً الضربات الجوية ضد حقول النفط الخاضعة لسيطرة "داعش" بسبب خوفها من وقوع ضحايا من المدنيين". لكن هذه السياسة المذهلة جعلت من داعش المجموعة الإرهابية الأكثر ثراء في العالم بعدما غرق في عائدات النفط.أضاف فيليبس: "يستحق الرئيس ترامب الثناء لرفعه القيود السياسية العقيمة عن الجيش الأميركي، مصعّداً الحملات الجوية، ناشراً المستشارين الأميركيين وقوات العمليات الخاصة في مواقع أقرب من القتال، ومسرّعاً هزيمة داعش. كذلك اضطلع الجيش الأميركي بجزء كبير من عبء الحملة الدولية لهزيمة داعش، فلولا المشاركة الأميركية، لاستمر داعش في صلب خصومه واستعباد النساء غير المسلمات جنسياً".تشكّل هذه التطورات الإيجابية على الأرجح أخباراً جديدة بالنسبة إلى معظم الأميركيين، فلم تنشر وسائل الإعلام التقليدية، التي تكره ترامب، هذه الرواية كي لا يحظى الرئيس بأي مديح لجعله الولايات المتحدة والعالم أكثر أماناً وتخليصهما من أولئك القتلة المتعطشين للدم (داعش لا الصحف).كتب بيل داغوستينو، محلل في مركز الأبحاث الإعلامية، الشهر الماضي: "منذ اليوم الذي تسلم فيه ترامب السلطة، خصصت شبكات البث الثلاث في نشراتها الإخبارية المسائية أكثر من 10 آلاف دقيقة لرئاسة ترامب، 33 دقيقة منها فقط تناولت طريقة تعاطي الإدارة مع القتال ضد داعش في العراق وسورية".إذاً، هذا هو الوضع: ساهم الرئيس ترامب في تقليص داعش بنسبة 99% في حين أمضى معذبوه في نشرات الأخبار المسائية 99.7% من وقتهم في النظر في الاتجاه المعاكس.* ديروي موردوك*«ناشيونال ريفيو»
مقالات
لنكن شاكرين على زوال «داعش»
28-11-2018