«شهر العسل» العراقي مهدد... وهمس عن مرحلة ما بعد عبدالمهدي
من جديد، أجّل برلمان العراق التصويت على ثماني حقائب وزارية بقيت شاغرة في حكومة عادل عبدالمهدي، مما يكشف مرحلة جديدة من الخلاف السياسي بين الجناح الموصوف بالاعتدال، ومعسكر المتشددين والمتحالفين مع الميليشيات، وصلت إلى مستوى دفع بعض الساسة إلى الحديث عن انتهاء شهر العسل بين الأحزاب العراقية، الذي ساد فترة قليلة منذ احتجاجات البصرة العنيفة في سبتمبر الماضي.ولأول مرة في العراق، جرى اختيار رئيس وزراء غير حزبي يمثل شخصية معتدلة في السياسة، لكن ذلك جعل الأحزاب تتنافس لممارسة تأثير أكبر على عبدالمهدي المتحدر من أسرة سياسية شيعية من جنوب العراق برزت منذ الثلاثينيات.وتدور أكبر الخلافات على الوزارات الأمنية، إذ يدعو الجناح المعتدل إلى أن يشغلها خبراء أمن مستقلون؛ نظراً لحساسية وضع العراق الأمني، في حين يحاول حلفاء إيران الدفع بمرشحين مقربين من الميليشيات، الأمر الذي دفع مقتدى الصدر وحلفاءه العلمانيين إلى إصدار مواقف متسارعة شديدة اللهجة، ضد مرشحي السنة لـ «الدفاع»، ومرشحي الشيعة لـ «الداخلية».
وكانت إيران ترفض تولي عبدالمهدي رئاسة الحكومة؛ لأنها تعتبره أقرب مما ينبغي إلى الغرب، وليس إسلامياً بما يكفي، نظراً لخلفيته اليسارية، إذ انتمى للتيار الديني نهاية الثمانينيات بعد عقود من العمل مع القوميين واليسار العربي، لكنه في الوقت نفسه يتبنى موقفاً وسطياً وخصوصاً في الأزمة بين واشنطن وطهران، جعله هذه المرة مرشح تسوية بين الأجنحة المتصارعة في العراق.إلا أن عبدالمهدي، وهو من مهندسي أفكار الإصلاح التي يتبناها التيار المعتدل، يبدو أقرب إلى مرجعية النجف والقوى العلمانية العاملة في مراجعة أخطاء المراحل الماضية، الأمر الذي جعل الأطراف الأخرى تقول إنه سيصبح خاضعاً لتأثير مرجعية آية الله علي سيستاني وتحالف «سائرون» بقيادة مقتدى الصدر، أو متعاوناً معهما بشكل كبير، لاسيما أن رئيس الجمهورية برهم صالح سياسي كردي بارز قريب إلى هذا الجناح فكرياً وسياسياً.ومن أخطر مؤشرات المواجهة السياسية الحاصلة بين الجناحين أن صالونات بغداد بدأت تستخدم تعبير «مرحلة ما بعد عبدالمهدي»، في إشارة إلى أن بعض الأطراف غير مرتاحة من إصراره على قدر من الاستقلالية يظهر لأول مرة ليغير بعض قواعد العمل السياسي في البلاد، وأنه يقترب كثيراً من جماعات الضغط المعتدلة المقربة إلى النجف.ويفترض هذا التعبير أن الأحزاب تقول لعبدالمهدي إن أمامه سنة واحدة ليثبت نجاحه في التعامل مع ملفات معقدة، مثل عودة العنف إلى المناطق المحررة من «داعش» مثل الموصل، والاحتجاجات العنيفة التي انتهت بإحراق قنصلية إيران في البصرة، والعقوبات الأميركية المتصاعدة ضد طهران، والتي يصبح العراق في قلب أزمتها شيئاً فشيئاً.إلا أن التيار المتمسك بسياسة عقلانية لنزع التوتر داخلياً وخارجياً لا يبدو أنه سيستسلم بسهولة، وخصوصاً لجهة الدعم الذي تحظى به الحكومة الجديدة في الشارع العراقي، ومن الشركاء الإقليميين والدوليين، وفق تعبير الخبراء.