فيما يتعلق بمسؤولي مكافحة الإرهاب يمثل تحديد الصراع العالمي التالي الذي سينشط ويشحن مسلمي العالم ويدفع عشرات الآلاف من الأجانب الى الانضمام الى هذا النزاع– كما هي الحال في الحرب الأهلية السورية– يمثل أحد أكثر التحديات صعوبة. وعلى أي حال، وكما يحذر المثل الدنماركي، فإن «من الصعب القيام بتوقعات وخصوصا حول المستقبل»، ولكن يتعين على مسؤولي مكافحة الإرهاب التأهب لمواجهة القضية التالية التي، كما هي الحال في سورية، ستنتج موجة من المقاتلين الأجانب والإرهاب وعدم الافتراض أن الماضي قد انتهى، وفي حقيقة الأمر توجد أسباب عديدة تدفع الى الاعتقاد أن ظهور تنظيم «داعش» في سورية والتدفق الواسع للأجانب من أجل القتال هناك كان نتيجة ظروف غير عادية.
وفي النظرة الأولى، قد تبدو الحالة أكثر سوءاً بالنسبة الى خصوم المجموعة اليوم، فقد توجه تنظيم داعش الى العمل السري بعد أن خسر بشكل تقريبي كل الأراضي التي كان يسيطر عليها ولكنه لم يتعرض الى هزيمة، ولا يزال عشرات الآلاف من مقاتليه يحاربون. والأسوأ أيضاً أن داعش والمجموعات الاخرى مثل تنظيم القاعدة لديها حضور في دول مثل مالي وباكستان والصومال وأنحاء اخرى من العالم الاسلامي. وعلى الرغم من أن تدفق المقاتلين الأجانب من سورية لم يكن ضخماً فإن أعداداً صغيرة شقت طريقها الى ليبيا وأفغانستان وميادين القتال الاخرى. ولعل ما هو أكثر أهمية أن الشبكات المتطرفة قوية، وبشكل نموذجي تتبع كل موجة من المقاتلين الموجة الأخيرة، وفي ضوء حجم تدفقات تنظيم داعش من المؤيدين الخارجيين– اجتذب التنظيم مجموعات من المقاتلين الأجانب أكثر من العراق وأفغانستان ومناطق القتال الاخرى مجتمعة– يمكن للمرء أن يتوقع اشتمال القضية التالية على شبكات مسبقة تساعد على الترويج لها وتربط بين المقاتلين وتسهل الحركة، والروايات التي حركت تنظيم داعش مثل الطائفية والعداء لأميركا وحفزت تنظيم القاعدة تظل قوية.
العداء المضاد
ولعل الجانب الأكثر إثارة للقلق في الولايات المتحدة وأوروبا يتمثل في تصاعد العداء والعنف ضد المسلمين كما أن المنطق المتعصب من جانب كبار المسؤولين يهدد بتنفير المسلمين غير الراديكاليين ويخلق أو يفاقم الشعور بالعزلة. وفي أغلب الأحيان يرتبط القلق من الارهاب بالخوف من المهاجرين كما هو الحال مع «قافلة المهاجرين» التي اقتربت من الولايات المتحدة عبر المكسيك التي يفترض أنها كانت تضم مجموعة من الارهابيين. واضافة الى ذلك، ينتج تطرف جناح اليمين المتصاعد عنفاً مضاداً للمسلمين ومنطقاً حولهم وهو ما يزيد من خطر العزلة. ثم إن المجتمعات المنعزلة أكثر عرضة لتجنيد الراديكاليين وأقل احتمالاً للعمل مع قوى حفظ النظام من أجل الابلاغ عن مثيري المتاعب المحتملين.الاحتمالات الضعيفة
ولكن وعلى الرغم من كل هذه المشاكل يوجد سبب وجيه للظن في أن قضية عالمية على غرار الدوافع التي حركت التطرف الاسلامي من المستوى الذي شهدته سورية قد تكون بعيدة الاحتمال، وكان الصراع في سورية غير عادي ويرجع ذلك في جزء منه الى الشرعية المبكرة التي تمتع بها. وقد اتسم حكم الرئيس بشار الأسد بالقسوة ودعاه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الى التنحي، فيما وصفه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بـ»الجزار» ومن هذا المنطلق لم تكن المعركة ضد الحكم في دمشق قضية هامشية اعتنقتها المجموعات المتعصبة فقط.ونتيجة لذلك، لم تعمد الولايات المتحدة ودول اخرى فقط الى تشجيع المقاتلين من مناوئي الرئيس الأسد بصورة غير مباشرة بل انها لم تتدخل من أجل مساعدة حكومة دمشق– على العكس مما كان الحال في العراق ومالي والصومال والكثير من الدول الاخرى حيث عملت القوات الأميركية بشكل مباشر على حماية الحكومات المحلية وتوفير المساعدة غير المباشرة لها أو للجيوش الوطنية أو الطرفين معاً. وتوجد قلة من الدول في العالم مثل سورية حيث تشترك الجماعات المسلحة والولايات المتحدة بمعارضة النظام بصورة قوية.وفيما دعا قادة الغرب الى معارضة الرئيس الأسد بدأت القضية السورية ثم تنظيم داعش باجتذاب متطوعين وسط تجاهل الكثير من الحكومات لمغادرة مواطنيها للمشاركة في هذا الصراع. وطوال عدة سنوات لم تعمد دول مثل بلجيكا التي لديها أعلى نسبة متطوعين للفرد الواحد في تنظيم داعش الى انشاء خدمات استخبارية لهذا الغرض أو الاستجابة للخطر بطريقة ملائمة. ولكن ذلك تغير وخاصة بعد عام 2015 الذي شهد هجمات باريس الارهابية التي أسفرت عن سقوط 130 ضحية– وكانت الأسوأ التي عانتها أوروبا منذ أكثر من عقد من الزمن– وتردي وضع النزاع في سورية والدعاية الدموية التي أطلقها تنظيم داعش والتي اعتبرت نذيراً لتوقع حدوث الأسوأ، قد دفع دولا مترددة مثل بلجيكا الى القيام بخطوات مؤثرة ومن ثم فقد أصبح التعاون الاستخباراتي في أوروبا– الذي لا يزال في حاجة الى تحسين– أفضل من أي وقت مضى على الاطلاق.الدور التركي في النزاع
كانت رغبة تركيا في السماح للمقاتلين بعبور حدودها غير عادية أيضاً، وكان لدى الجماعات المسلحة الأخرى نقاط عبور– وكانت باكستان ممراً الى أفغانستان على سبيل المثال– ولكن الطريق كان في أغلب الأحيان صعباً ومكلفاً الى حد كبير ويتطلب توافر شبكات تهريب باهظة الثمن. وعلى العكس من ذلك، كان على متطوعي تنظيم داعش الحضور الى تركيا ببساطة حيث ترافقهم عناصر التنظيم لاجتياز الحدود الى داخل سورية، وبمجرد أن بدأت تركيا بمراقبة حدودها بصورة أكثر حدة توقف هذا التدفق للمتطوعين.في غضون ذلك عززت شركات التقنية أيضاً جهودها، وعلى الرغم من أن الطريق أمامها لا تزال طويلة فقد تمكنت من منع انتقال محتويات الى الجماعات المسلحة وحسنت من تعاونها اضافة الى تعيين عناصر عمل أكثر وتحقيق أداء أفضل. وعلى الرغم من احتمال استخدام المجموعات المسلحة التالية لتقنية وادي السيلكون في العمل فإن من المحتمل أن تكون الحكومات وشركات التقنية أكثر وعياً ورقابة.ويمكن للمرء أن يأمل في أن يسهم الخليط المكون من الرقابة النشطة والمساعدة المقدمة الى الأنظمة المناوئة للجماعات المسلحة والرقابة على الحدود وشبكات الانترنت والاجراءات الاخرى في جعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة الى أي مجموعة مسلحة للنجاح كما فعل تنظيم داعش. واذا لم تتمكن أي مجموعة مسلحة من حكم منطقة ورفع مستواها على غرار ما حققه تنظيم داعش فإن قوتها الملهمة ستضعف أيضاً.ويتطلب كل هذا طبعاً انتباهاً انضباطياً كما يتعين على الخدمات الأمنية الحصول على موارد لتحقيق أهدافها، وعلى الولايات المتحدة العمل مع الحلفاء من أجل منع مشاكل بسيطة من التحول الى نوعية أكبر وبالتالي يجب أن يضطلع قطاع التقنية بدرجة من المسؤولية. واذا تم اتخاذ هذه الخطوات فإن فرصة تكرار ما حدث في سورية ستصبح أقل الى حد كبير في المستقبل.