يتعين على المشككين في إمكانية نجاح العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران أن يعيدوا النظر في آرائهم، صحيح أن التأثير الفوري والمباشر لتلك العقوبات سيكون معتدلاً بالنسبة الى عوائد صادرات النفط الإيراني ولكنها في الأجل الطويل قد تصبح أشد قوة، وفي حقيقة الأمر فإن هذه العقوبات قد تجعل من المستحيل بشكل تقريبي بالنسبة الى إيران الحفاظ على مستوياتها من إنتاج النفط.

وفي وقت سابق من شهر نوفمبر أعادت الولايات المتحدة فرض حظر على صادرات النفط الإيراني بعد اعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني في شهر مايو الماضي.

Ad

وينص ذلك الاتفاق الذي تم التفاوض حوله في سنة 2015 على خفض العقوبات المفروضة على إيران في مقابل تقليص برنامجها النووي، وقد جددت ادارة ترامب الحظر الذي استهدف الصناعات البترولية والشحن في إيران وفرضت قيوداً تحول دون تمتع طهران بقدرة التعامل مع مؤسسات مالية تعتبر مهمة وحيوية بالنسبة الى صادرات النفط والغاز الطبيعي من إيران. وشكك مراقبون في جدوى هذه العقوبات الأميركية بشكل كبير ومؤثر.

وفي المقام الأول وبمجرد أن أعلنت ادارة ترامب نظام العقوبات الجديد فإنها قررت أيضاً منح اعفاءات منها الى 8 دول– وكان من بينها الدولة الأكثر استيراداً للنفط الإيراني– بما في ذلك الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا. وفي عام 2017 اشترت تلك الدول الخمس 70 في المئة من النفط الخام الإيراني والصادرات المكثفة. وتشكل الصين التي وقعت الاتفاقية النووية نحو ربع سوق صادرات النفط الإيراني.

وثانياً، وبعيداً عن الاعفاءات أعلن الاتحاد الأوروبي والدول الاخرى التي وقعت الاتفاق النووي الإيراني أنه سيلتزم بذلك الاتفاق مادامت إيران ملتزمة به وتنفذ شروطه. كما تعهد الاتحاد الأوروبي أيضاً بتعويض الشركات الأوروبية التي تأثرت بالعقوبات الأميركية، وهو يحاول وضع آلية خاصة للدفعات الى إيران. وستتجاوز هذه الآلية نظام سويفت المالي ورقابة الولايات المتحدة.

ضبابية الصورة

وعلى الرغم من هذه الجهود ليس من الواضح المدى الذي ستكون عليه التجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال فإن الشركات الأوروبية الكبرى العاملة في مجال الطاقة والشحن البحري والتأمين أعلنت أنها ستعلق تعاونها مع إيران. وقد أعلنت شركة مولر مائرسك الدنماركية وهي أكبر شركة حاويات في العالم ولديها أيضاً عمليات استكشاف للنفط والغاز والحفر وخدمات أخرى أعلنت في 17 مايو الماضي أنها ستوقف كل خدماتها في إيران. وقال الرئيس التنفيذي للشركة «لا يمكنك القيام بأعمال في الولايات المتحدة اذا كنت تعمل في إيران ونحن لدينا عمليات واسعة في الولايات المتحدة». وصدر تصريحه هذا بعد يوم واحد من اعلان شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة أنها ستسحب كل مشروعها الضخم في حقل غاز جنوب بارس في إيران اذا لم تحصل على اعفاء من الولايات المتحدة من العقوبات على إيران.

وثالثاً، قد يعمل السوق نفسه ضد العقوبات الأميركية، والهبوط في مبيعات النفط الإيراني يمكن أن يعوض من خلال ارتفاع أسعار النفط الذي يعني أن عوائد طهران لن تتأثر مطلقاً بتلك العقوبات الأميركية. وعلى سبيل المثال هبطت الأسعار الفورية لخام برنت في شهر فبراير الى مستويات 60 دولاراً للبرميل ثم ارتفعت الى 80 دولاراً في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق إيران كما ارتفعت أيضاً الى 86 دولاراً للبرميل في شهر أكتوبر نتيجة هبوط انتاج فنزويلا من النفط.

وقد عملت بجهد كبير ولافت مع حلفائها في الشرق الأوسط من أجل زيادة إنتاجهم من النفط، ولكن حتى مع ذلك فقد تراجعت الأسعار بصورة طفيفة، ونظراً لأن ميزانية الحكومة الإيرانية تعتمد على سعر 55 دولاراً للبرميل فإن طهران لا تزال تحصل على أكثر من المتوقع من عوائد النفط.

وحتى اذا استطاعت إيران تجاوز العقوبات الأميركية بسهولة في الأجل القصير فإن الصورة في الأجل الطويل ستكون مختلفة، وإيران هي خامس دولة في العالم في انتاج النفط لكنها تعتمد على حقول ناضجة نسبياً في ذلك وتتسم تلك الحقول بسرعة نضوب عالية– وتصبح غير مربحة– وبمعدل يراوح ما بين 8 الى 11 في المئة.

وتجدر الإشارة الى أن حكومة طهران وقبل توقيعها الاتفاق النووي في 2015 لم تعلن أي اكتشافات نفطية جديدة في أراضيها منذ سنة 2007. ومن غير المحتمل أن تعلن الآن تطوير حقول جديدة لأن ذلك يتطلب تخصيص تمويلات أجنبية من أجل التنفيذ. وحتى الصين التي يحتمل أن توفر مثل ذلك التمويل في العادة تواجه عدة مشاكل في الوقت الراهن. وتتم الاستثمارات الصينية عبر بنوك في امارة دبي ولكن السلطات المصرفية الاماراتية تتخذ اجراءات ضد مثل تلك العمليات الآن.

واذا لم تتمكن من تطوير حقول جديدة ستكون إيران في حاجة ماسة الى تحقيق استخدام أفضل لحقولها القائمة القديمة من خلال أحدث التقنيات بغية تحسين الانتاج النفطي، ولكن بالنسبة الى الوقت الراهن فإن إيران تعتمد على تقنيات عتيقة بما في ذلك ضخ الغاز الطبيعي في داخل حقول النفط القديمة من أجل استخراج كميات النفط المتناقصة باستمرار. وفي حقيقة الأمر فإن إيران قامت قبل الاتفاق النووي باعادة حقن نسبة تصل الى 12.4 في المئة من اجمالي انتاجها من الغاز في الآبار النفطية.

النتائج العكسية للخطوة الأميركية

فرعي

وبدلاً من اقناع طهران بالتعاون فإن العقوبات الأميركية تعمل على تحقيق نتائج عكسية تماماً. من جهة اخرى وبمرور الوقت ستصبح عملية اعادة حقن الغاز أقل توافراً – لأن القطاعات المنزلية والتجارية والصناعات الصغيرة تشكل أكثر من 50 في المئة من استهلاك إيران من الغاز الطبيعي الذي يزداد بمرور الوقت.

وتذهب نسبة اخرى تقدر بنحو 14 في المئة من الغاز الطبيعي الى انتاج بتروكيماويات للتصدير مثل الايثيلين والبروبيلين وتستخدمان في صنع المواد البلاستيكية والألياف والكيماويات الاخرى. وتشكل البتروكيماويات نسبة كبيرة من صادرات إيران غير النفطية الى الصين كما أن زيادة مثل هذه التجارة تعتبر أولوية قصوى بالنسبة الى طهران.

ومع حرمان العقوبات الأميركية إيران من الحصول على تقنيات استخراج النفط التي تنتج على نطاق واسع في الولايات المتحدة أو في دول تخشى انتهاك عقوبات واشنطن فإن إيران ستواجه فترة صعبة في الحفاظ على انتاجها النفطي مع تلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي والبتروكيماويات. وفي عامي 2013 و 2014 اضطرت إيران الى مواجهة مشكلة مماثلة – ونظراً لعدم رغبتها في التضحية بالانتاج النفطي وخشية حدوث انقطاع في الطاقة الكهربائية المحلية اضطرت طهران الى خفض ايصال الغاز الى مصانعها ما أفضى الى هبوط بنسبة 7.5 مليون طن في الانتاج وخسارة حوالي 8 مليارات دولار.

وفي الأجلين المتوسط والطويل يمكن للعقوبات الأميركية في هذه الحالة أن تفاقم من صعوبة الوضع بالنسبة الى إيران، ومادامت الولايات المتحدة قادرة على منع طهران من الحصول على التقنية اللازمة لتحسين تقنيات استخراج النفط فإن الاقتصاد الإيراني سيزداد ضعفاً وهشاشة. كما أن افتقار الحكومة الإيرانية الى عوائد النفط والغاز والبتروكيماويات بصورة كافية من أجل تغطية وتلبية الطلب الأساسي مع تمويل نفقات الدولة والجيش في الوقت نفسه قد يدفع إيران الى العودة الى طاولة المفاوضات.