إذا استعرضنا تطورات العام الماضي، فإن الاستفتاء على استقلال كردستان في 25 سبتمبر 2017 وسيطرة العراق على كركوك في 16 أكتوبر 2017 يشكلان نكستين كارثيتين بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي الأميركي.

فبعدما تقاتل العراق وإقليم كردستان - حليفا أميركا الرئيسيان في حملة مكافحة تنظيم داعش في ساحة المعركة، ظل هذان الشريكان غير قادرين أو غير راغبين في تنسيق أعمالهما العسكرية على طول خط الجبهة المتنازع عليه، الأمر الذي منح التنظيم منفذا حيويا قابلا للاستغلال.

Ad

علاوة على ذلك، ترك الاستفتاء وتداعياته شريكين أميركيين عريقين في القدم - الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة طالباني - يتهمان كل منهما الآخر بخيانة القضية الكردية جراء تعريض السيطرة الكردية على محافظة كركوك للخطر وذلك من خلال إدراجها في الاستفتاء، أو عبر التعاون مع الجماعات غير الكردية التي قامت بإراقة الدم الكردي في كركوك.

وعلى الرغم من أن إيران ساعدت العراق في فرض الرقابة على إقليم كردستان ومهاجمته، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني خرج من الأزمة غاضبا من الولايات المتحدة أكثر من طهران، ومذاك، بدأ يتعاون مع إيران عن كثب.

إن انتهاك الثقة ينطبق على الطرفين: فقد خرجت الحكومة الأميركية من الاستفتاء وأزمات كركوك مع ضغينة عميقة ضد الأكراد العراقيين. فحتى البنتاغون الموالي للأكراد، والقيادة العسكرية، ومجلس الأمن القومي، يرفضون بشكل غاضب الاقتراحات التي تحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكبرى عن الأزمات، مشيرين إلى أنه تم تحذير الأكراد مسبقا من معارضة الولايات المتحدة للاستفتاء.

ومع ذلك، لا يتفق الجميع في واشنطن، إذ يرى بعض قادة الكونغرس ومفكريه (وكذلك المسؤولون في الحكومة الأميركية) أن الحكومة الأميركية قد أخطأت إلى حد كبير جراء تخليها عن حليف قديم. وترك هذا الاختلاف في الرأي صدعا عميقا في قلب المجتمع المعني بالسياسة تجاه العراق، وما زال قائما حتى الآن.

إذا وضعنا جانبا مَن على صواب أو خطأ، يجب أن نتعلم درسا من هذه الكارثة. الدرس الأول الذي نستنتجه من كركوك أننا لسنا مجهزين للقيام بتقييم ذاتي بشأن فشل سياساتنا الخاصة، الدرس الثاني الذي نستخلصه هو أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تتعلم بشكل كامل كيف تركز القدر المناسب من الجهد في وقت مبكر بما يكفي لتحديد معالم الأحداث.

كان معظم الفاعلين الرئيسيين المعنيين يفضلون لو لم يحصل الاستفتاء أبدا، أو لو حصل من دون إدراج كركوك الذي أثار جدلا واسعا. ويعترف معظم المسؤولين الأميركيين بشكل سري بأنهم كانوا ليقوموا بأشياء كثيرة بشكل مختلف أو على الأقل على نحو عاجل وحاسم أكثر.

لا خطة بديلة

أصبح استفتاء الاستقلال كلعبة «الجبان» التي سارت بشكل فظيع وانتهت بتصادم مباشر بين الطرفين. ويشير رد الولايات المتحدة على هذه النتيجة إلى أن صانعي السياسة لم يفكروا مليا على ما يبدو في احتمال قيام الأكراد بالمضي قدما، على الرغم من (وفقا لنظر الحكومة الأميركية) الانهزامية الذاتية غير المنطقية المتمثلة في إجراء الاستفتاء في مواجهة المعارضة الكردية الداخلية والعراقية والدولية. وحتى اليوم، لا يزال أول رد فعل للعديد من المسؤولين الأميركيين يعبر عن ذهولهم من الطريقة التي مضت بها قيادة بارزاني قدما.

ولكن، في حال كانت «الخطة الأولى» للولايات المتحدة تكمن في التوصل إلى اتفاق لتأجيل الاستفتاء، فما كانت «الخطة البديلة» إذا؟ إذا نظرنا إلى الوراء، نجد أنه لم يكن هناك أي خطة بديلة، حيث عملت سياسة الولايات المتحدة بعد الاستفتاء مباشرة على إثارة استياء الأكراد وجعلهم يتخبطون في الشماتة ويشعرون ببعض الألم لأنه، في النهاية، قامت الولايات المتحدة بتحذيرهم.

يبدو أن المسؤولين قد فهموا أن الحكومة الأميركية ستتراجع في نهاية المطاف لمنع التجاوزات مثل فرض الحصار الاقتصادي على الأكراد أو تفكيك حكومة إقليم كردستان التي تم تأسيسها دستوريا، فالأزمة ستتبدد إنما ستستغرق وقتا طويلا.

ولسوء الحظ، كان لدى إيران ووكلائها العراقيين خطة بديلة ناجحة تماما - إعادة غزو كركوك من الجيش- وقاموا بتنفيذها على الفور، وكانت الولايات المتحدة بطيئة في الرد ولم تكن تستجيب بشكل كاف، رغم وجود قوات عسكرية بالقرب من كركوك. فكان من الممكن أن يكون وجود هذه القوات بمثابة «سلك عثار» وأن يضع حدا للأزمة الباردة هذه.

ومن المسلم به أن النظر إلى الحدث بعد وقوعه يكون سليما، لكن هذه الحالة تؤكد أنه من المنطقي التفكير مليا في السيناريوهات المنخفضة الاحتمالية والشديدة الأثر، فكان من المفترض أن يكون أحد عناصر تخطيط سيناريو الولايات المتحدة قد أخذ بعين الاعتبار إمكانية قيام حليفنا الرئيسي في العراق - رئيس الوزراء حيدر العبادي - بإبعادنا ببساطة عن عملية صنع القرار خلال أزمة كركوك، فحتى أنا شخصيا لم أستطع تصور ذلك مسبقا – وهو إخفاق تحليلي خطير.

إن كل ما حدث في أزمات سبتمبر، وأكتوبر 2017، كان يمكن مغفرته إلى أن سفك العرب والأكراد دماء بعضهم البعض في كركوك، ومع إلقاء اللوم على جميع الأطراف، من المهم أن نتذكر أن قتل حلفائنا الأكراد من حلفائنا العراقيين كان بمثابة فشل بالغ في السياسة الأميركية.

التقييم الذاتي

إن الدرس الرئيس من أزمة كركوك هو أنه لا يكفي أن تعرف ماهية المشكلة، أو أن تحدد الحل، أو أن تكون قادرا على حقن هذا الرأي في قلب عملية صنع السياسة في الولايات المتحدة. فلكي تتمتع بتأثير إيجابي حقيقي، يجب أن تكون قادرا على جذب انتباه كبار القادة على المستوى الوزاري إلى قضية وحل سياسي قبل أن تصبح القضية أزمة اليوم، وهذا أمر صعب للغاية.

إن هذا التحدي هو ما يسميه مخطط الدفاع الاستراتيجي عساف أوريون «الإلحاح في المراحل الأولى» – أي القدرة على توقع المخاطر، ثم بذل جهد كبير من أجل الوقاية في المرحلة من الجدول الزمني حين يكون للعمل الوقائي أفضل فرصة للنجاح وبأقل تكلفة ممكنة.

ربما لم يكن نهج «الإلحاح في المراحل الأولى» في سياسة الولايات المتحدة ليضمن نتيجة أفضل في أزمات عام 2017، ولكن كان لديه فرصة أفضل لإنقاذ الجميع من مآسي النتائج العكسية العنيفة التي حدثت بعد الاستفتاء وأزمة كركوك العسكرية. فمن المؤكد أن التعبئة المباشرة والمُركزة من قبل مسؤول أميركي على المستوى الوزاري، والذي سيجلس وجها لوجه مع الزعماء الأكراد، كانت ستكون استثمارا مفيدا للجهد، بالمقارنة مع جميع عمليات لملمة الشتات والتحسر التي أعقبت الاستفتاء وأزمات كركوك.

وبالتأكيد كم كنت أتمنى لو قام شخص ما بإيصال القضية المذكورة أعلاه بشكل أكثر فعالية إلى عضو بارز في الحكومة الأميركية في أوائل صيف عام 2017، عندما كان من الممكن تحقيق بعض المنفعة.