خلال السنوات القليلة الماضية، وفرت وسائل التواصل الاجتماعي جسرا رقميا على طول المسافة الجغرافية القصيرة، ولكن غير القابلة للعبور فعليا، التي تفصل الشعبين الفلسطينيين، فالمواطنون العرب في إسرائيل يستهلكون تدفقا منتظما من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي من الأراضي المحتلة؛ علما أن هذه الاتصالات تعزز الهوية الفلسطينية لهذا الشعب. ووسط مجتمع إسرائيلي منقسم أساسا، تشجع وسائل التواصل الاجتماعي الطرفين على احتلال غرفتي صدى متعارضتين، مما يقوض بشكل إضافي إمكانية حل الدولتين.

ففي القسم الأكبر من تاريخ إسرائيل، كانت وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية تخضع لإشراف الدولة وحدّت الحكومة من تداول الصحف العربية المستقلة وانتشار البث الإذاعي اللذين قد يعززان تطور الهوية الفلسطينية. وقد علق هاريل شوريف-هاليوا، وهو باحث في جامعة تل أبيب، في إحدى المقابلات قائلا: «ترعرعت في إسرائيل كان فيها محطة واحدة وبث لساعة ونصف الساعة باللغة العربية... فلم نكن نحصل إلا على ما تريد الحكومة أن تمنحنا إياه». تغير هذا الواقع حين سمحت شبكة التلفزيون الفضائية لعرب إسرائيل بالتواصل بشكل أسهل مع التوجهات العربية الأوسع نطاقا. وخلال العقد الأول من القرن الحالي، انضمت شبكة التلفزيون الفضائي العربي إلى الراديو والصحافة المكتوبة كوسائل متاحة أمام عرب إسرائيل للاطلاع على الحوارات الثقافية والسياسية في العالم العربي الأشمل. وفي كتابه «القطاع العام لعرب إسرائيل» The Arab Public Sphere in Israel، كتب عالم الاجتماع أمل جمال أن وسائل الإعلام هذه مكنت العرب المقيمين في إسرائيل من «تجاوز موقعهم الفعلي» و»المشاركة في الفسحة الثقافية لما يعتبرونه أمتهم». ويشير البحث الذي أجراه جمال إلى أنه، من بين إجمالي عدد السكان، 41 في المئة ممن شاهدوا قنوات التلفزيون العربية شعروا أنها عززت حس الانتماء في العالم العربي، وقد وصلت نسبة هؤلاء في أوساط النخبة إلى 73 في المئة.

Ad

وبات بإمكان الناس الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن يختاروا وسائل الإعلام التي يريدون، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست العامل الوحيد الذي ساهم في رفض الأقلية العربية للهوية الوطنية الإسرائيلية، فلطالما كان انتماء هذه الشريحة السكانية إلى فلسطين، ولا شك أن التحول السياسي المطرد لإسرائيل نحو اليمين نفّر سكان إسرائيل،، العرب، وقد ساهم كل من انهيار عملية السلام والتوسع الدائم للمستوطنات في الضفة الغربية وعجز الحكومة عن رأب عدم المساواة الاجتماعية- الاقتصادية بين اليهود والعرب إضافة إلى جهود بعض المنظمات اليهودية المتعمدة لمنع العرب من دخول بعض الأحياء وأماكن العمل اليهودية، في تزايد كراهية العديد من المواطنين العرب إزاء الدولة الإسرائيلية، كما أن خيبة الأمل من الحكومات اليسارية التي فشلت تاريخيا في تحسين الخدمات السيئة المقدمة إلى العرب لعبت دورا أيضا في ذلك.

خلق غرفة صدى

في جميع أنحاء العالم، تجمع منصات التواصل الاجتماعي محتوى تدرك مسبقا أن المستخدمين سيشاهدونه ويشاركونه، مما يبقي الأشخاص مسمرين على الإنترنت عبر الترويج لمواد محبطة عاطفيا. كما يجمع الأشخاص من وسائل الإعلام الأخبار التي تؤكد آراءهم المسبقة غالبا من خلال المساس بمشاعرهم. بهذه الطريقة، تخلق المنصات غرف صدى رغم مظهرها المخادع الذي يوهم بالنفاذ الأوسع نطاقا إلى حجج متناقضة. وفي نهاية المطاف، يتضح أكثر فأكثر أن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على جعل الأشخاص أكثر تشددا وتعنتا في معتقداتهم السياسية. ولا تشكل فلسطين استثناء لهذه الظاهرة.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن عرب إسرائيل يميلون إلى دعم حل الدولتين أكثر من المجموعات المنخرطة الأخرى، بمعدلات تناهز ضعف السكان الفلسطينيين والإسرائيليين الآخرين. وهم بالتالي فئة سكانية ناخبة رئيسية لانتخاب ممثلين سياسيين في إسرائيل يلتزمون بالسعي للتوصل إلى حل سلمي للنزاع. ولو ترك عرب إسرائيل ويهودها للتوافق على هذه القضية كما فعلوا في بعض الأحيان تاريخيا، فقد يساهم هذا التحالف في تذليل العقبات السياسية المحلية الراهنة أمام حل الدولتين. لكن عقودا من سياسات التهميش والتمييز قوضت ثقة العرب بالحركات السياسية اليهودية. ومن شأن فجوة متسعة في ما قد تبدو عليه وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى هاتين المجموعتين أن تعقد أكثر فأكثر أي حوار مستقبلي بينهما في الحياة الواقعية.

وقد ركز ألون-لي غرين، وهو المدير الوطني اليهودي لحراك «نقف معا» - وهو حراك يعمل على توحيد الإسرائيليين اليهود والعرب لدعم حل الدولتين - على التأثير العميق لوسائل التواصل الاجتماعي على عرب إسرائيل. فهم يقرأون «ما يكتبه الناس في رام الله وغزة والخليل ونابلس، ومن ثم يشاركون التعليق، والأمر مؤلم بالنسبة لهم»، على حد قوله، فلا تظهر صور الفلسطينيين المصابين أو القتلى في شبكات التواصل الاجتماعي اليهودية حيث إنها تعرض حصرا صور ضحايا إسرائيليين ومنازلهم التي دمرتها الصواريخ الفلسطينية. وضمن إسرائيل بذاتها، تعزز وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد تمسك كل طرف بنسخته من الرواية، مما يمنع المشاركة مع الرواية الموازية الخاصة بالطرف الآخر.

وتنبع ردود فعل المواطنين العرب إزاء أحداث على غرار إطلاق النار على متظاهرين في غزة من «سياسة عاطفية تتم ترجمتها انطلاقا «مما يرونه هم ولا نراه نحن»، وفق غرين. وقد ربطت بعض المصادر الغربية والإسرائيلية معظم التعليقات التذكارية بهجمات انتقامية. فالحكومة الإسرائيلية تراقب عن كثب وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية، وقد أصدرت قوانين تجيز للشرطة اعتقال كل من ينشر محتوى يحرض على أعمال العنف عبر الإنترنت. وبالتالي، يربط العديد من الإسرائيليين اليهود هذه المنشورات بالعنف الممارس ضد إسرائيليين يهود آخرين وليس ضد فلسطينيين.

وبشكل خاص إن لم تتم معالجة هذا التنافر الكبير بين الأخبار، فقد يبتعد عرب إسرائيل بشكل متزايد عن إقامة شراكات مع منظمات من أمثال «نقف معا» أو عن الأحزاب اليهودية اليسارية التي تروج لعملية السلام. وقد أشار غرين بنفسه إلى أنه وجد أحيانا صعوبات في إقامة شراكة مع سياسيين ونشطاء عرب مؤخرا، ويعزى ذلك جزئيا إلى الحديث السياسي الفلسطيني، فبالنسبة إلى غرين، يبدو كأن القادة العرب في إسرائيل ينطلقون على نحو متزايد من رواية داخلية معدة عبر الإنترنت في جزء منها و»لا يحاولون التوجه إلى عامة الشعب»، وهو ما يصفه غرين بأنه يؤدي إلى تنفير اليهود اليساريين بدلاً من حشدهم.