الرئيس الأميركي السابق بوش الأب يرحل عن 94 عاماً

• بدأ حياته طياراً بحرياً ووصل إلى «الكونغرس» بعد أن حقق الملايين بفضل نفط تكساس
• قاد الجمهوريين بعد «ووترغيت» وأدار CIA بعد سلسلة فضائح... وفاز بالرئاسة وهو نائب لريغان

نشر في 02-12-2018
آخر تحديث 02-12-2018 | 03:07
رحل الرئيس الأميركي الراحل جورج بوش الأب، أمس، عن 94 عاماً، بعد حياة سياسية حافلة توّجها بولاية رئاسية حقق خلالهما نجاحات خارجية كبيرة، منها مساهمته في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم، وانتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي وتوحيد ألمانيا.
توفي فجر أمس الرئيس الأميركي الأسبق جورج هربرت ووكر بوش (جورج بوش الأب) عن 94 عاما، بمنزله في هيوستون. وجاء رحيل بوش الأب بعد حياة سياسية حافلة تولى خلالها رئاسة الولايات المتحدة فترة واحدة، قاد خلالها بلاده بهدوء واعتدال في انتصارها بنهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، ولعب دورا أساسيا في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم، وهزيمة الجيش العراقي في عهد الدكتاتور صدام حسين، وكذلك في توحيد ألمانيا.

عاش بوش، وهو الرئيس الحادي والأربعون للولايات المتحدة، فترة أطول من أي من الرؤساء الذين سبقوه. وأعلنت وفاته في بيان أصدره جيم ماكغراث المتحدث باسم الأسرة.

وتأتي وفاته بعد 7 أشهر من وفاة زوجته باربرا بوش، التي دام زواجه منها 73 عاما. وقال الرئيس السابق جورج بوش الابن في بيان: "عائلة بوش بأكملها تشعر بالامتنان البالغ أمام حياة الرئيس الحادي والأربعين ومحبته، وأمام مشاعر من اهتموا بوالدي وصلّوا من أجله، وأمام تعازي الأصدقاء والإخوة المواطنين".

وكان تنصيب جورج بوش الأب رئيسا للولايات المتحدة في يناير 1989 تتويجا لمسيرة طويلة. فقد كانت حياته السياسية عبارة عن سلسلة من الترقيات السياسية انتهت به في البيت الأبيض بعد أن تولى مدة 8 سنوات منصب نائب الرئيس رونالد ريغان، وأصبح أول نائب رئيس ما زال في المنصب ينتخب رئيسا منذ أكثر من 150 عاما.

مجلس

ولد جورج هربرت ووكر بوش في الـ 12 يوليو 1912 في بلدة ميلتون بولاية ماساشوسيتس، وكان والده مصرفيا أصبح لاحقا عضوا في مجلس الشيوخ.

طيار بحري

وبعد قبوله في جامعة ييل، تطوع في سلاح البحرية، وتدرب كطيار بحري قبل أن يتم إرساله للمشاركة في الحرب ضد اليابان في المحيط الهادئ إبان الحرب العالمية الثانية.

وكان أصغر طياري المارينز سنّا، عندما أسقطت طائرته في سبتمبر 1944 حين كانت تشارك في غارة جوية، وكان بوش الناجي الوحيد من طاقمها، إذ استقل قارب نجاة حتى عثرت عليه غواصة أميركية.

من الأعمال للسياسة

بعد تسريحه من سلاح البحرية في عام 1945، اقترن بوش بباربارا بيرس، وولد ابنهما البكر جورج ووكر بوش في يوليو 1946.

كان بوش قبل في جامعة ييل قبل تطوعه في البحرية، وعاد الى صفوف الدراسة في عام 1945 وحصل على شهادة بكلوريوس آداب من الجامعة المذكورة.

بعد ذلك، انتقل بوش وأسرته الى ولاية تكساس، وبفضل علاقات والده التجارية، حصل على وظيفة في القطاع النفطي. وفي السنوات العشر التالية، تمكّن من تأسيس شركته النفطية الخاصة، وأصبح من المليونيرات بحلول أوائل ستينيات القرن الماضي.

وعند ذاك تحول اهتمامه الى السياسة، وبعد أن تولى منصب الأمين العام للفرع المحلي للحزب الجمهوري، خطا خطوة كبيرة، إذ ترشح لمقعد ولاية تكساس في مجلس الشيوخ.

على رأس المؤسسة الجمهورية

في الانتخابات لمجلس الشيوخ، نجح شاغل المعقد الديمقراطي في تصوير بوش على أنه يميني متطرف، وفاز بالفعل بـ 56 بالمئة من الأصوات مقابل 43 بالمئة، لكن لم يثن ذلك من عزيمة بوش، إذ سعى في عام 1966 للترشح لعضوية مجلس النواب وفاز بها مرتين.

أقنع الرئيس ريتشارد نيكسون بوش بمحاولة الترشح لعضوية مجلس الشيوخ مجددا في عام 1970، لكنه خسر السباق ثانية أمام المرشح الديمقراطي، فقام نيكسون بتعيينه مندوبا لدى الأمم المتحدة في عام 1971، وبعد ذلك عينه أمينا عاما للحزب الجمهوري.

وعندما أجبر نيكسون على الاستقالة في عام 1974، بذل بوش جهودا كبيرة لتضميد الجروح التي تسببت بها للحزب الجمهوري فضيحة ووترغيت (التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة)، فأخذ يجوب البلاد لمساندة المرشحين الجمهوريين. وبحلول نهاية السنة، عيّن رئيسا للبعثة الأميركية في بكين التي كانت قد افتتحت للتو.

CIA

قضى بوش في ذلك المنصب فترة تجاوزت السنة بقليل، استدعاه الرئيس جيرالد فورد بعدها ليعيّنه مديرا لوكالة المخابرات المركزية CIA التي كانت قد تعرضت لسلسلة من الفضائح المتعلقة بالعمليات السرية التي كانت تقوم بها في الخارح وتجسسها غير المخول على أميركيين.

مرشح رئاسي

غادر بوش منصبه في وكالة المخابرات المركزية بعد انتهاء فترة ولاية فورد، وفي عام 1978 أطلق حملته للترشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات 1980 الرئاسية.

جاب بوش أنحاء البلاد، داعيا إلى سياساته المحافظة المعتدلة، وأصبح في أوائل عام 1980 المنافس الرئيس لرونالد ريغان.

ورغم خسارته أمام ريغان في الانتخابات الرئاسية، كان في ذلك ترضية الى حد ما، إذ حصل على منصب نائب الرئيس، مما أتاح له أن يتمرن على مسؤوليات الرئاسة لسنوات ثماني.

أخطاء

ارتكب جورج بوش خطأين أساسيين في حملة 1988 الانتخابية التي أدت به الى البيت الأبيض. الخطأ الأول كان يتمثّل في الشخصية التي اختارها نائبا له، إذ نال دان كويل، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية إنديانا، شهرة عالمية للأخطاء والهفوات التي ارتكبها.

أما الخطأ الثاني، فكان الوعد الذي قطعه على نفسه في كلمة ألقاها في مؤتمر الحزب الجمهوري في عام 1988. ففي معرض هجومه على السياسات النقدية التي كان يدعو إليها خصمه الديمقراطي مايكل دوكاكيس، قطع بوش على نفسه وعدا خيمت آثاره على رئاسته، وأدى في نهاية المطاف الى انهياره سياسيا، عندما قال للمندوبين المحتشدين: "اقرأوا شفتاي، لا ضرائب جديدة".

أول رئيس نائب

وبعد حملة انتخابية اتسمت بالعدائية المفرطة، أصبح بوش أول نائب رئيس ما زال في منصبه يفوز بالرئاسة منذ عام 1836، وأصبح رئيساً في ١٩٨٩.

كان الزمن زمن تغيير كبير شهد انهيار الستارة الحديدية (التي كانت تفصل بين أوروبا الشرقية الاشتراكية وأوروبا الغربية الرأسمالية) وتفكك الاتحاد السوفياتي في سلسلة من الأحداث المتسارعة لم تكن من صنع الولايات المتحدة.

لم يكن بإمكان بوش إلا محاولة اللحاق بهذه الأحداث عن طريق عقد القمم مع نظيره السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.

تحرير الكويت

أما الاختبار الحقيقي الذي واجهه، فكان الغزو والاحتلال العراقي للكويت في أغسطس 1990، والذي أخذ الولايات المتحدة على حين غرّة. لكن بوش تصرّف بسرعة لتشكيل تحالف دولي أنهى الاحتلال العراقي وأسس لوجود عسكري أميركي في السعودية، وهو إنجاز ذو منافع استراتيجية.

مشاكل اقتصادية

مثّلت حرب الكويت نصرا كبيرا للقدرة العسكرية الأميركية، وعززت الى حد كبير معنويات البلاد، ففي اللحظة التي أصبحت عنوان رئاسة بوش، تمكنت الولايات المتحدة وحليفاتها من دحر الجبش العراقي الغازي في غضون 100 ساعة فقط.

عزز ذلك النصر موقع بوش رغم القرار الذي اتخذ حينئذ بعدم التوجه الى بغداد. ورغم حصوله على شعبية تجاوزت الـ 90 بالمئة عقب الحرب، كان قرار بوش التركيز على العلاقات الخارجية على حساب الشأن الداخلي سببا لتعرضه لانتقادات بأنه يهمل الوضع الاقتصادي المتردي، وعلى وجه التحديد أسوأ ركود واجهه الاقتصاد الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن بوش، الذي كانت حريته في التصرف مقيدة بكونغرس يسيطر عليه الديمقراطيون، بقي مصرّا على أن الأزمة الاقتصادية قد بلغت ذروتها، وأن الأمر آيل إلى التحسن، إذ قال آنذاك: "سننقذ هذه الأمة من الصعوبات، بوصة ببوصة ويوما بيوم، وأولى بأولئك الذي يسعون الى إيقافنا أن ينأوا بأنفسهم".

لكن الناخبين لم يصدقوه، وما زاد الطين بلة أن بوش اتخذ الخطوة التي كان قال إنه لن يتخذها مطلقا: قام برفع الضرائب المفروضة على كاهل الأميركيين.

حملة 1992 الكارثية

كانت حملة الانتخابات الرئاسية لعام 1992 كارثية بالنسبة إلى بوش، فقد خذله القائمون على حملته الانتخابية، وكان عليه التصدي لتحدّ قوي من السياسي المحافظ بات بيوكانان للفوز بترشيح الحزب الجمهوري.

لم يتمكن بوش من مجاراة عنفوان منافسه الشاب، المرشح الديمقراطي بيل كلينتون حاكم ولاية أركنساو الذي عبّر عن نظرة جديدة لأميركا اعترف بوش بعجزه عن التعبير عنها.

مني بوش بخسارة كبيرة في الانتخابات أمام كلينتون الذي مضى للفوز بفترتين رئاسيتين.

وقضى بوش السنوات الأخيرة في السفر حول العالم ضمن دور الحكيم السياسي الذي اتخذه لنفسه.

وفي الفترة الأخيرة، لم يظهر بوش في المناسبات العامة إلا نادرا، وأجبر على استخدام الكرسي النقال بعد إصابته بشكل من أشكال مرض الرعاش الذي أقعده تماما.

كان جورح هربرت ووكر بوش في الأساس رجلا متحضرا، ولم يشعر بالارتياح أبدا مع الصراعات والمؤامرات التي تتسم بها الحياة السياسية. قال مرة "لمجرد أننا نتنافس مع بعضنا البعض لا يعني أننا أعداء. لا ينبغي للسياسة أن تكون مفتقرة للكياسة واللطف".

قالوا عن الراحل

ترامب: قادنا إلى انتصار في الحرب الباردة

وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يحضر حاليا قمة زعماء مجموعة العشرين في الأرجنتين، الرئيس الأسبق، جورج بوش الأب بأنه زعيم «كان دائما مثالا يحتذى».

وقال ترامب في بيان: «بحكم سليم وفطرة سليمة وقيادة هادئة، قاد الرئيس بوش بلدنا والعالم إلى نهاية هادئة ومنتصرة للحرب الباردة». وأضاف ترامب: «قلوبنا متألمة لفقدانه، وسنصلي نحن والشعب الأميركي لأجل أسرة بوش بأكملها، إننا نقدر حياة وتراث الرئيس رقم 41». وأشاد ترامب أيضا بـ «الأصالة الحقيقية للرئيس الأسبق وسرعة بديهته والتزامه الذي لا يتزعزع بالدين والأسرة والبلاد».

أوباما: طرد الدكتاتور من الكويت

ذكر الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أن الولايات المتحدة فقدت شخصا «وطنيا وخادما متواضعا» بوفاة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأب.

وقال أوباما في بيان: «بينما الحزن يعتصر قلوبنا اليوم، فهي ممتلئة بالامتنان». وأضاف أن حياة بوش «هي شهادة على الفكرة التي مؤداها أن الخدمة العامة هي رسالة نبيلة وسارة»، مشيرا إلى أن بوش وزوجته باربرا، التي توفيت في أبريل «هما معا الآن مرة أخرى».

وأشاد بعمله الذي سمح «بخفض آفة الأسلحة النووية وتشكيل تحالف دولي واسع لطرد دكتاتور من الكويت». ورأى أن دبلوماسية جورج بوش الأب ساهمت في «إنهاء الحرب الباردة من دون إطلاق رصاصة واحدة».

بيل كلينتون: أسلوبه في التعامل مدهش

أشاد الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون الذي تغلّب على جورج بوش الأب في انتخابات عام 1992 بأسلوب منافسه السابق في التعامل مع الآخرين.

وقال كلينتون في بيان: «سأكون ممتناً إلى الأبد للصداقة التي ربطت بيننا».

وأضاف: «منذ اللحظة التي التقيت به عندما كان حاكما شابا. كنت مندهشا من أسلوب تعامله الرقيق مع تشيلسي (ابنة كلينتون)، وإخلاصه لباربرا ولأولاده». وتابع كلينتون إن عددا قليلا من الأميركيين هم من تمكنوا من تحقيق ما أنجزه الرئيس بوش في خدمة الولايات المتحدة، مضيفا أنه لم يتوقف أبدا عن خدمة البلاد.

بوش الابن: شخصية رفيعة وأفضل أب

نعى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في بيان والده الرئيس الراحل، قائلا: «إن عائلة بوش بأكملها تشعر بالامتنان البالغ أمام حياة الرئيس الحادي والأربعين ومحبته، وأمام مشاعر من اهتموا بوالدي وصلوا من أجله، وأمام تعازي الأصدقاء والإخوة المواطنين». وأضاف أن والده «كان من أرفع الشخصيات وأفضل أب يتمناه أي ابن أو ابنة».

back to top