الحروب وانعكاساتها على الزواج
سألني صديق مغربي عن أسباب ازدياد زواج الخليجيين بالمغربيات، قال إنها حالة اجتماعية جميلة وجيدة، لأنها توحد وتقرب علاقات المصاهرة بين المغرب ودول الخليج، وتخلق روح محبة وتفاهم بينهما.سؤاله حرك في عقلي أسئلة عن ظاهرة الزواج من غير الكويتيات، وأسباب انتشارها، منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن، وما سأذكره ليس بحثا علميا موثقا، أو طبقا لدراسات اجتماعية أو استبيانات محسوبة مدروسة، بل هو رأيي ووجهة نظري في ما يخص هذا الموضوع وملاحظاتي حول تزايد حالات الزواج من خارج الكويت، ورأيت أن هناك أسبابا متعددة ساعدت على انتشار الزواج من بلاد العالم المختلفة.في أوائل القرن العشرين ظهرت حالات من الزواج بالهنديات، خصوصا عندما كانت التجارة البحرية مع الموانئ الهندية في أوجها، كان البعض من قباطنة السفن أي "النواخذة" يتزوجون من فتيات الهند، لاسيما مع طول فترة إقامتهم بعيداً عن أسرهم، ومن هنا وجدت وتكونت أسر كويتية لأمهات أو جدات من أصل هندي، وبذات الوقت نجد أن الكويتيين من أصل إيراني أيضا يتزوجون من فتيات إيرانيات.
ثم جاءت البعثات التعليمية لمصر، وبدأ الانفتاح السياحي الذي حمل معه الزواج من المصريات، وأصبح في المجتمع أسر من أمهات أو جدات مصريات.بعد ذلك ازدادت السياحة السورية واللبنانية، والانفتاح الكبير عليها، حيث بات لبنان المكان الذي يجمع الخليجيين في الصيف والأعياد، ومن هنا ازدادت بشكل كبير حالات الزواج بالسوريات واللبنانيات، وباتت أسر كثيرة أمهاتهم من سورية أو لبنان، حتى جاءت الحرب اللبنانية- الإسرائيلية، والحرب اللبنانية الأهلية التي دمرت الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سورية ولبنان، وقضت على السياحة الخليجية، وبالتالي انقطع حبل التزاوج، وتحولت السياحة الخليجية إلى مسارات جديدة متعددة حول العالم الغربي والشرقي، مثل البلاد الأوروبية وأميركا الشمالية، بدأت فيها حالات الزواج من أميركيات، خصوصاً مع المبتعثين من الطلاب فيها، وهؤلاء كونوا أسراً من أمهات أميركيات، والمملكة المتحدة الإنكليزية حالها حال أميركا في زواج بعض الطلاب المبتعثين من نساء إنكليزيات.حتى جاءت حرب الهرسك والبوسنة، وبدأ نداء المتدينين بالزواج من البوسنيات المسلمات لغرض حمايتهن من جنود الصرب، وأصبح بالمجتمع عائلات من أمهات بلادهن البلقان.وبدأ الانفتاح الخليجي على السياحة المغربية، خصوصا مملكة المغرب، بعد ازدياد خطوط الطيران المباشر لها، وكثرت حالات الزواج بالفتيات المغربيات، وبالتالي أدت إلى تكوين أسر أمهاتهم من المدن المغربية المختلفة. وعادت الحرب على سورية من جديد، وبدأت حملة النداءات بالزواج من النازحات واللاجئات الصغيرات، بغرض حمايتهن وإعانة أهاليهن، و"هوبا" نشط الزواج السوري- الخليجي من جديد تحت غطاء حماية القاصرات،وهناك أيضاً حالات الزواج من العاملات الفلبينيات بالصالونات والشركات والمطاعم والشغالات في البيوت من خليجيين، ليكونوا بالتالي أسر من أمهات فلبينيا أو من سريلانكا.طبعاً هناك زيجات متفردة وقليلة من بقاع مختلفة من العالم الغربي أو الشرقي. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الأسباب التي تشجع وتدفع إلى تزايد حالات الزواج من خارج الوطن؟- رأيي أنه في السابق كانت التجارة عن طريق السفن، والبعد عن البلاد عدة أشهر هو الدافع للزواج، أو أحد الأسباب.- البعثات التعليمية وطول سنوات الإقامة بالخارج، والحاجة لتسهيل تعلم اللغات من أسباب الزواج.- رخص تكاليف الزواج وسهولته بالخارج عنها في الخليج.- سهولة العلاقة المباشرة مع المرأة، مما يسهل التفاهم والتقارب ثم الارتباط.- ولعل أكبر المسببات للزواج من الخارج الحروب التي دمرت السياحة السورية واللبنانية، وحولت مسار السياحة الخليجية إلى جهات مختلفة من العالم.أيضا بسبب الحرب تزوج الكثير من الخليجيين من فتيات دول البلقان المسلمات تحت دعوة حماية شرفهن من الصرب.وبسبب الحرب أيضاً يتم الآن الزواج بالقاصرات السوريات بالمخيمات والملاجئ التي تقوم بإيوايهن.إذن الحرب كانت السبب الأكبر في الزواج من خارج دول الخليج، وانعكاساتها على السفر والسياحة، ثم دورها في تهجير المسلمات من ديارهن، ثم بعض الحروب، تأتي الأسباب الأخرى من وجهة نظري. النتائج: اختلاط الهوية والانتماءات، وتحسن الجينات، وازدياد الكم المعرفي.وإن كان هذا التهجين قد خلق دماء أقوى وتقبل الآخر والانفتاح على الحضارات، إذن كيف ستكون تركيبة المواطنين بعد 20 سنة قادمة؟