في إشارة إلى المنعطف الأخير للأحداث، وعدم بروز أفق للحل عما قريب، وبعدما خرجت منها قبل نحو عام، تدرس فرنسا مرة أخرى إعادة فرض حال الطوارئ، بسبب احتجاجات «السترات الصفراء»، التي تحولت إلى أعمال شغب وعنف وتخريب، وسجلت سقوط ثاني ضحية، في ثالث أسبوع منذ انطلاق تحرك «السترات»، وهي حركة تمرد شعبية عفوية، تحتج على زيادة الضرائب على الوقود وعلى ارتفاع تكاليف المعيشة.

يذكر أنه في أول نوفمبر 2017، انتهت في فرنسا رسميا حال الطوارئ، بعد عامين من هجمات منسقة في أنحاء متفرقة من العاصمة باريس، راح ضحيتها 130 شخصا.

Ad

ماكرون

وترأس الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي عاد من قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس، اجتماع أزمة أمس، واجتمع برئيس الوزراء إدوار فيليب الذي ألغى زيارة لبولندا، ووزير الداخلية كريستوف كاستانير و«الأجهزة المختصة»، لإيجاد حل لتحرك يبدو أنه خرج عن السيطرة، ويضع ماكرون أمام تحد صعب، وهو الأسوأ منذ أكثر من 10 سنوات، ويهدد بتلاشي شعبية الرئيس بعدما انخفضت الى 20 في المئة.

وقبل ذلك، اتخذ ماكرون خطوة رمزية، وزار معلم قوس النصر الذي تعرض السبت لأعمال تخريب.

وأظهرت لقطات تلفزيونية الجزء الداخلي من القوس، حيث تحطم جزء من تمثال ماريان، وهو رمز للجمهورية الفرنسية، كما كتب المحتجون على القوس شعارات مناهضة للرأسمالية ومطالب اجتماعية.

وكان ماكرون قال أمس الأول، خلال كلمة له في ختام قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس، «أقبل الاحتجاجات دائما، وأستمع للمعارضة دائما، لكني لن أقبل أعمال العنف»، مبينا أن «أي قضية لا تبرر مهاجمة قوات الأمن، ونهب محال تجارية وتهديد مارة أو صحافيين وتشويه قوس النصر».

وأضاف أن «مرتكبي أعمال العنف هذه لا يريدون التغيير، لا يريدون أي تحسن، إنهم يريدون الفوضى، إنهم يخونون القضايا التي يدعون خدمتها ويستغلونها. سيتم تحديد هوياتهم وسيحاسبون على أفعالهم أمام القضاء».

وفي وقت سابق، أكد الناطق باسم الحكومة بنيامين غريفو أن الحكومة «لا تستبعد إعلان حال الطوارئ من أجل الحفاظ على النظام العام والسلامة».

كاستانير

كما لم يستبعد وزير الداخلية كريستوف كاستانير فرض حال الطوارئ، بناء على طلب عدد من النقابات والشرطة، وقال مساء أمس الأول: «ندرس كل الإجراءات التي ستسمح لنا بفرض مزيد من الإجراءات لضمان الأمن»، مضيفا: «لا محرمات لدي، وأنا مستعد للنظر في كل شيء»، رغم أنه أقر بأن الحكومة «أخطأت أحيانا في التواصل».

واعتبر كاستانير أن مرتكبي أعمال العنف في باريس أمس الأول، من «مثيري الانقسام والشغب»، لافتا إلى أنه «تم التعرف على نحو 3000 شخص تجولوا في باريس، وارتكبوا مخالفات ما جعل تدخل قوات حفظ النظام أصعب».

وشدد على أن «كل وسائل الشرطة والدرك والأمن المدني تم حشدها» في باريس والمناطق، موضحا أن 4600 شرطي ودركي نشروا في العاصمة.

وأمس الأول، أشعل مثيرو الشغب النار في سيارات ومبان، ونهبوا متاجر ومطاعم، وحطموا نوافذ واشتبكوا مع الشرطة وسط باريس.

وفوجئت السلطات بتصاعد العنف بعد أسبوعين من الاحتجاجات التي عمت البلاد، تعبيرا عن رفض رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، ونظمتها حركة تعرف باسم «السترات الصفراء»، تستقي اسمها من السترات الصفراء الفسفورية التي يتعين على كل السائقين في فرنسا تزويد سياراتهم بها، ولا يوجد حتى الآن قائد لها.

وأدت أعمال العنف، أمس الأول، إلى سقوط قتيل من «السترات» في منطقة أرل وإصابة 133 شخصا بجروح، بينهم 23 عنصرا في قوى الأمن، وإلى توقيف 378 على ذمة التحقيق.

وكانت نقابة الشرطة «أليانس» طلبت مساء أمس الأول فرض حال الطوارئ الذي اقترحته أيضا نقابة مفوضي الشرطة الوطنية.

وقال نائب رئيس ثاني أكبر نقابة للشرطة فريديريك لاغاش: «نحن في أجواء عصيان، ويجب التحرك بحزم».

الشيوخ

في غضون ذلك، أعلن مجلس الشيوخ الفرنسي، أمس، أنه سيستجوب غدا، الوزيرين المكلفين بالأمن، أحدهما كاستانير «للحصول على إيضاحات عن الوسائل التي نشرها وزير الداخلية» في مواجهة الفوضى.

ردود فعل

في صفوف اليمين، دعا زعيم الجمهوريين لوران فوكييه مجددا إلى استفتاء حول السياسة البيئية والضريبية لماكرون، وطلبت زعيمة «التجمع الوطني» (يمين متطرف)، مارين لوبن، لقاء ماكرون مع زعماء الأحزاب السياسية المعارضة.

أما لدى اليسار فطلب زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور تشكيل لجان حول القدرة الشرائية. وطلب السياسي بونوا أمون إطلاق حوار وطني مع «السترات الصفراء» والنقابات والمنظمات غير الحكومية حول القدرة الشرائية وتوزيع الثروات وعملية الانتقال البيئية.

ودعا جان لوك ميلانشون، زعيم حركة «فرنسا المتمردة»، إلى إعادة فرض الضريبة على الثروة، مشيدا بـ«تمرد المواطنين الذي يثير الخوف لدى ماكرون والأثرياء».