لم يكن وراء نجاحها مال كثير، ولم تكن بواعثها مواقف أيديولوجية سياسية، ولم تكن مستندة إلى ماكينة إعلامية، ولم تضخ لأجلها حملات دعائية ضخمة، ولم يكن وراءها حزب أو تنظيم، ولكن كان وراء نجاحها فكر مبدع، وحرية وانفتاح على العالم، ومناخ داعم، وتلاقح ثقافات عربية لاقت كل الترحيب، فأبدعت.يحتفل العالم العربي، أو هكذا يفترض، بمرور ٦٠ سنة على ميلاد أشهر مجلة عربية شهرية، وهي مجلة العربي، التي صدرت في الكويت ومازالت، في ١ ديسمبر ١٩٥٨، أي قبل الاستقلال بثلاث سنوات.
استطاعت العربي وبدون صعوبة، بل بسلاسة ويسر أن تدخل البيت العربي دون مشقة، فصارت بدون تفاصيل شأناً عربياً، وملكية عربية عامة. لم يستشعر أحد بأنها تصدر عن حكومة الكويت، وحافظت على ذلك رغم كل التباينات وتمكنت من الصمود والاستمرار.لا أعلم، أو لا أعرف، إن كان هناك احتفال سيقام لبلوغ مجلة العربي عامها الستين، وليس الهدف لوم أحد على تقصير في الاحتفال، فمسؤولية الإشادة بـ "العربي" جماعية، وتتجاوز الكويت للعالم العربي الأوسع، فهي واحدة من أهم سفراء الكويت عربياً، ورمز للثقافة والمعرفة والرصانة والاحترام على المستوى العربي دون استثناء.وحيث إن الشيء بالشيء يذكر، فإن مطبوعة أخرى لا يستغني عنها الناس، فبدونها لا يصبح القانون ساري المفعول إلا بعد النشر فيها، ألا وهي الجريدة الرسمية "الكويت اليوم"، التي مضى على صدورها هي الأخرى ٦٤ عاماً، حيث صدر عددها الأول في ١١ ديسمبر ١٩٥٤. وكان لصدور "الكويت اليوم" بمجلة "العربي" علاقة مباشرة، حيث ولدت الثانية من رحم الأولى، كما أخبرني في لقاء قديم، بدر خالد البدر مدير دائرة المطبوعات والنشر حينذاك، رحمه الله، والذي كان من المؤسسين لكلا المطبوعتين.عندما نتتبع تاريخ النشأة والظهور للمطبوعتين، قد نكتشف شيئاً ما من الفرق بين زمن مضى، وزمننا الحالي، سرعة اتخاذ القرار، وحصافته، وجودته، والاستعانة بالخبرات العربية المتميزة.قصة ظهور مجلة عربية ثقافية من بلد صغير، تجلت فيها القدرة على جمع الكفاءات العربية وغير العربية من كل صوب، في مناخ انفتاح وتسامح وتعددية، فكيف نشأت وظهرت إلى الوجود مجلة "العربي" التي تجاوزت الحدود دون دعاية، وتفوقت على أقرانها دون أموال طائلة؟ حكاية تستحق أن تروى، في زمن صار الإنجاز فيه استثناءً، والتراجع قاعدة... وللحديث بقية.
أخر كلام
منارة كويتية لا يحتفى بها كما يجب
03-12-2018